القائمة الرئيسية

الصفحات



ما هو حكم احتكار السّلع في زمن الوباء؟

الاحتكار: خزن التّجار السّلع طلبا للرّبح الزّائد عن المعتاد. وهو محرّم عند الإمام مالك رحمه الله تعالى، في كلّ السّلع التي يتضرّر النّاس باحتكارها، سواء كانت طعاما أو غير طعام ممّا تمسّ حاجة النّاس إليه من اللباس ونحو ذلك، وذلك في الزّمن الّذي يكون عليه النّاس في ضرورة وضيق، ويؤدّي إلى نقصها في الأسواق، وإلى ارتفاع أسعارها عمّا هو معتاد بين النّاس أو عمّا هو مسعّر من طرف الحاكم. ودليل التّحريم:

أ ـ ما رواه معمر رضي الله عنه أنّ النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم قال: "من احتكر فهو خاطئ" (مسلم)، أي آثم.

ب ـ ما دلّت عليه نصوص الشّرع العامّة من تحريم إلحاق الضّرر ـ مهما كان نوعه ـ عن المسلمين ووجوب دفعه عنهم، فكلّ ما أضرّ بالمسلمين من تصرّفات بعضهم يجب دفعه عنهم، وزجر المقترفين له، فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أنَّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: "لا ضررَ ولا ضرار، من ضارَّ ضارَّهُ اللهُ، ومَن شاقَّ شاقَّ اللهُ عليه" (الحاكم وقال: هذا حديثٌ صحيح الإسناد على شرط مسلم ولم يخرجاه).

ومن الأوقات التي يكون النّاس في ضيق منها، هي أوقات الوباء، الّتي يكثر فيها الخوف من الهلاك ومن نقص الطعام. وإنّ ممّا تمسّ حاجة النّاس إليه فيما نحن فيه من الخوف من انتشار وباء "كورونا": الغذاء بكلّ أنواعه، والدّواء، ووسائل الوقاية، وأدوات التطهير والتعقيم وقتل الجراثيم.

وقد نصّ الفقهاء على أنّ الاحتكار في هذه الأوقات يؤدّي حتما إلى ارتفاع الأسعار، وقلّة رواج السلع، وشحّ النّفوس بها، وإدخال النّاس في المشقّة على تحصيلها، وخاصّة ضعاف الحال منهم، فتعمّ المضّارّ والمفاسد، ولذلك رتّبوه من الذّنوب الكبائر (المنتقى: 5/16، والمعلم: 2/322، ومواهب الجليل: 4/227، والفقه المالكي وأدلته: 5/139).

وذلك السلوك المنبوذ شرعا، يصدر من أصحاب النّفوس الخسيسة، الممتلئة رغبة في متاع الدّنيا، الّذين ينتهزون فرص الجوائح والكوارث التي تحلّ بالنّاس، ليستكثروا من المال، دون أن يبالوا هل من الحلال اكتسبوه أم من الحرام؟ ودون أن يراعوا دينا ولا أخلاقا، ودون أن يحفظوا حرمة رحم ولا جوار ولا إنسانية.

وإذا كان الاحتكار كبيرة من الكبائر، فلا شكّ أنّ المال المكتسب منه حرام، لا يحلّ للمحتكر الانتفاع به، ولا يحلّ لأهله أن يأكلوا منه، ولا لمن يعلم به من الناس أن يتعاملوا معه، ويجب عليه عند التوبة التخلّص منه. كما يجب على الحاكم أن يجبره على إخراج السلعة المحتكرة إلى الناس وبيعها لهم بسعر سوقها، ويؤدّبه على ذلك (المنتقى: 5/17، والمفهم: 5/2900، وإكمال الإكمال: 5/537) والله أعلم.

الحبيب بن طاهر



تعليقات

التنقل السريع