القائمة الرئيسية

الصفحات

تحقيق المذهب الحنفي في شرط الإذن العام لإقامة الجمعة

اشترط الحنفية الإذن العام لإقامة صلاة الجمعة، بمعنى "أن لا يَمنعَ (أي من يقيم الجمعة) أحدًا ممّن تصحّ منه الجمعة عن دخول الموضع الّذي تصلّى فيه، وغلقه لمنع العدوّ لا المصلّي" كما جاء في حاشية ابن عابدين على الدّرّ المختار (2/151). وقد فرضت المسألة عندهم في الأمراء الّذين كانوا يقيمون الجمعة في حصونهم وقصورهم، ويمنعون عموم النّاس من الدّخول، ثمّ عُمّم الحكم على الجوامع، قال صاحب "تنوير الأبصار وشارحه": "فلو دخل أمير حصنا أو قصره، وأغلق بابه وصلّى بأصحابه لم تنعقد" (حاشية ابن عابدين: 2/152).
ثمّ استثنوا حالتين هما: الخوف من العدوّ والاعتياد، فقالوا: "لا يضرّ غلق باب القلعة لعدوّ أو لعادة قديمة؛ لأنّ الإذن العام مقرّر لأهله، أي لأهل القلعة" (حاشية ابن عابدين: 2/152).
فيفهم ممّا تقدّم أنّ اشتراط الإذن العام جار عند الحنفية في الأحوال العادية، ومنتف في الأحوال الاستثنائية، وذلك عند قيام العذر الشرعي لغلق الجامع، كخوف دخول العدوّ عليهم، فيسقط الإذن العام، بل يسقط عندهم بما هو أقلّ من خطر العدوّ وهو الاعتياد، والاكتفاء بجماعة محصورة.
وعليه، فلا يكون هذا الشرط معتبرا في إقامة الجمعة بالعدد الأقلّ الذي تصحّ به الجمعة في المذهب الحنفي، بسبب وباء "كورونا"؛ لأنّ العذر قائم في هذه النازلة بطريق الأولى من العذر الذي ذكره الأحناف، فهم أسقطوا شرط الإذن العام، ومنعوا عموم المصلّين بسبب غير متّصل بهم، وهو الخوف من دخول العدوّ أو بالعادة القديمة، وفي نازلة وباء "كورونا" العذر قائم بالمصلّين أنفسهم؛ لأنّ كلّ واحد منهم يحتمل أن يكون حاملا للفيروس، ولذلك سقطت الجمعة عنهم، وحرم دخول الجامع عليهم؛ خشية انتشار المرض بين الناس واستفحاله.
وإذا لم تبطل صلاة الجمعة مع غلق الجامع والصلاة بعدد محصور بالعذر الشّرعي عند الحنفية ـ وهو خوف العدوّ أو جريان العادة القديمة ـ وهو موضوعنا، فإنّ الصّلاة لا تبطل أيضا بعدد محصور، مع غلق الجامع بسبب العذر الوبائي "وباء كورونا"، وذلك بطريق الأولى من عذر الخوف من العدوّ أو من العادة القديمة الّذي ذكره المذهب الحنفي.
وبناء على ما تقدّم فإنّ صلاة الإطار المسجدي صلاة الجمعة بمفردهم في الجامع صحيح على قواعد المذهب الحنفي.


والله أعلم

الحبيب بن طاهر

تعليقات

التنقل السريع