القائمة الرئيسية

الصفحات

هنيئا للإطارات المسجدية بشرف إقامة الشّعائر الإسلامية في المساجد
في زمن الوباء

نقرّ بأنّ الّذين يقفون في خطّ الدّفاع الأوّل في المعركة مع وباء "كورونا" كثيرون، وعلى رأسهم كلّ الطّاقم الصّحّي العاملين في مجال صّحّة، بداية من الاطبّاء ومساعديهم إلى حارس المستشفيات، ثمّ جميع الأسلاك النشيطة التّي تحفظ الأمن بجميع صوره: قوات الجيش، والأمن الداخلي، وشبكة مصانع الغذاء والأدوية، وشبكات نقل حاجيات النّاس من الغذاء والأدوية إلى كافّة مناطق البلاد، حتّى نصل إلى ذلك التّاجر والصيدلاني المنعزلين في مسالك القرى والأرياف.
لكنّ حاجيات النّاس في الأوقات العصيبة التّي يتوقّعون فيها الهلاك، ليست قاصرة فقط على الطعام والشراب والدواء، فهم يكونون فيها أشدّ احتياجا إلى ما يطمئن نفوسهم، وينشر عليها السّكينة، ويذكّرهم بالرّكن الشّديد الّذي يجب أن يأووا إليه، إلى الله عزّ وجلّ، قال الله تعالى: (أمّن يجيب المضطرّ إذا دعاه ويكشف السّوء ويجعَلُكم خلفاء الأرض أْإله مع الله قليلاً مَّا تذكّرون)[النمل: 62].
والّذي يؤمّن هذا لمجتمع المسلمين في مثل هذه الأوقات العصيبة، استمرار المساجد في أداء دورها الّذي من أجله أذن الله تعالى بأن ترفع في الأرض، وهو دور رفع ذكر الله في المجتمع وعمارتها، قال تعالى: (في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه..) [النّور: 36].
يذكر فيها اسمه عزّ وجلّ برفع كلمات الأذان العذبة الّتي تنتشر في الآفاق، وتخترق آذان النّاس، فتبعث في نفوسهم الطّمأنينة إلى ذكر الله تعالى، وبإقامة الصّلوات الخمس معمّرة المساجد، وإقامة تلكم الصّلاة العظيمة صلاة الجمعة الّتي كانت تتوقّف الحياة في مجتمع المسلمين من أجل إقامتها.
فهذه الثلاثية: الأذان، والجماعة، والجمعة، جعلها الشرع عبادات المجتمع بأسره، وليست عبادات الأفراد، كما أنّ الحجّ عبادة الأمّة، وهو معنى الشّعائر الإسلامية، أي المظاهر التّعبّدية الّتي تميّز مجتمعات المسلمين عن غيرهم.
فهنيئا للإطارات المسجدية الّتي تقوم بتأمين شعائر الإسلام في البلاد التونسية، في هذا الوقت العصيب ـ وقت خلوّ المساجد من عموم النّاس بسبب شرعي أدّى إليه الاحتياط من انتشار الوباء ـ.
هنيئا للمؤذّنين الّذين يتجشّمون مشاقّ السّير في الأنهج والأزّقة، في المدن والقرى والبوادي، ليلا ونهارا إلى مساجدهم، ليرفعوا الأذان إعلاء لكلمة التّوحيد في الأرض، وليسمعوا النّاس تراتيل القرّاء لكلام الله العزيز، عبر المآذن، فتأنس أرواح الناس، والحيوان، والنبات، والحجر، والمدر، بذكر الله تعالى، وتطمئنّ إلى قدر الله عزّ وجلّ، وتهفو نفوس العباد إلى التضرّع إلى الله تعالى، وتخترقها تساؤلات النّدم والرغبة في الرّجوع إلى حضيرته.
هنيئا لأئمّة الصّلوات الخمس الّذين ـ هم أيضا ـ يتجشّمون مشاقّ السّير في الأنهج والأزّقة، في المدن والقرى والبوادي، ليلا ونهارا إلى مساجدهم، ليقيموا صلاة الجماعة، والإمام الرّاتب بمفرده جماعة، وهم يعلمون أنّ المساجد عامرة بالملائكة، وإن غاب عنها المؤمنون بحكم الشّرع، وأنّ أهل السماء ينظرون إليها وهي تتلألأ في الأرض كحبّات اللّؤلؤ بتلاوة الأئمّة في صلاتهم.
هنيئا لأئمّة الجمعة الّذين يستوي عندهم أن يخطبوا في الآلاف والمئات أو أن يخطبوا في نفرين أو ثلاثة من إطار المسجد؛ لأنّهم يعلمون أنّما يقومون به هو أعظم من إلقاء مواعظ على النّاس، كما يعلمون أنّ الملائكة مصطفّة بين أيديهم يستمعون إلى خطبتهم، فهو يقيم شعيرة عظيمة من شعائر الإسلام بالملائكة، فأيّ شرف هذا؟
هنيئا لكثير من الأخوة الوعاظ الّذين سهّلوا لهؤلاء الإطارات المسجدية القيام بمهامّهم، وحثّوهم على ذلك، بل وشاركوهم فيها؛ لأنّهم يعلمون أنّ دورهم في هذه الفترة العصيبة ليس وظيفيا، بل دور دينيّ يتمثّل في تأمين دور المساجد في الأرض، بإعلاء كلمة التوحيد على المآذن، وإقامة الشّعائر، دون أن يلحق القائمين بذلك أيّ أذى.
هنيئا لكم جميعا، بعمارة بيوت الله تعالى، يغبطكم جميع النّاس، ويتمنّون أن لو كان القدر شرّفهم في محنة الوباء بمثل ما شرّفكم به.
والله أعلم.

الحبيب بن طاهر
المدينة الجديدة ـ تونس ـ في: 26 مارس 2020 م
الموافق لـ 2 شعبان 1441 هـ

L’image contient peut-être : texte et intérieur

تعليقات

التنقل السريع