القائمة الرئيسية

الصفحات

الحكم العطائية(9): تنوعت أجناس الأعمال بتنوع واردات الأحوال

 

الحكم العطائية

ولما تكلم على الأعمال وثمراتها وهو الأدب ومرجعه إلى السكون تحت مجاري الأقدار من غير تدبير ولا أختيار ولا تعجيل لما تأخر ولا تأخر لما تعجل بل يكون محط نظره إلى ما يبرز من عنصر القدرة فيتلقاه بالمعرفة تكلم على تنويعها وتهذيبها بتهذيب عاملها فقال:

}تنوعت أجناس الأعمال بتنوع واردات الأحوال {

تنويع الشيء تكثيره والأعمال هنا عبارة عن حركة الجسم والواردات والأحوال عبارة عن حركة القلب فالخاطر والوارد والحال محلها واحد وهو القلب لكن ما دام القلب تخطر فيه الخواطر الظلمانية والنورانية سمى ما يخطر فيه خاطراً وأن أنقطعت عنه الخواطر الظلمانية سمي ما يخطر فيه وارداً أو حالاً فإضافة أحدهما إلى الآخر أضافة بيانية وكلاهما يتحولان فإن دام ذلك سمي مقاماً قلت قد تنوعت أجناس الأعمال الظاهرة بتنوع الأحوال الباطنة أو تقول أعمال الجوارح تابعة لأحوال القلوب فإن ورد على القلب قبض ظهر على الجوارح أثره من السكون وإن ورد عليه بسط ظهر على الجوارح أثره من الخفة والحركة وإن ورد على القلب زهد وورع ظهر على الجوارح أثره وهو ترك وإحجام أي تأخر وأن ورد على القلب رغبة وحرص ظهر على الجوارح أثره وهو كد وتعب وأن ورد على القلب محبة وشوق ظهر على الجوارح أثره وهو شطح ورقص وأن ورد على القلب معرفة وشهود ظهر على الجوارح أثره وهو راحة وركود إلى غير ذلك من الأحوال وما ينشأ عنها من الأعمال وقد تختلف هذه الأحوال على قلب واحد فيتلون الظاهر في أعماله وقد يغلب على قلب واحد حال واحد فيظهر عليه أثر واحد فقد يغلب على الشخص القبض فيكون مقبوضاً في الغالب وقد يغلب عليه البسط كذلك إلى غير ذلك من الأحوال والله تعالى أعلم وفي الحديث:" أن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله إلا وهي القلب".

ولما كان الإخلاص شرطاً في كل عمل ذكره بأثره فقال:

}الأعمال صور قائمة وأرواحها وجود سر الإخلاص فيها{

الأعمال هنا عبارة عن الحركة الجسمانية أو القلبية والصور جمع صورة وهو ما يتشخص في الذهن من الكيفيات والروح السر المودع في الحيوانات وهو هنا عبارة عما يقع به الكمال المعتبر في الأعمال والأخلاص أفراد القلب لعبادة الرب وسره لبه وهو الصدق المعبر عنه بالتبري من الحول والقوة إذ لا يتم إلا به وأن صح دونه إذ الإخلاص نفي الرياء والشرك الخفي وسره نفي العجب وملاحظة النفس والرياء قادحة في صحة العمل والعجب قادح في كماله فقط قلت الأعمال كلها أشباح وأجساد وأرواحها وجود الإخلاص فيها فكما لا قيام للأشباح إلا بالأرواح وإلا كانت ميتة ساقطة كذلك لا قيام للأعمال البدنية والقلبية إلا بوجود الأخلاص فيها وإلا كانت صوراً قائمة وأشباحاً خاوية لا عبرة بها قال تعالى:" وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء" وقال تعالى:" فاعبد الله مخلصاً له الدين" وقال صلى الله عليه وسلم حاكياً عن الله تعالى يقول:" أنا أغْنى الشُّركاء عن الشِّركِ، مَنْ عَمِل عَمَلا أشرك فيه مَعي غيري تركتهُ وشِرْكَهُ" وقال صلى الله عليه وسلم:" أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الخفي وهو الرياء"وفي حديث مسلسل إلى النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عن الأخلاص فقال حتى أسأل جبريل فلما سأله قال حتى أسأل رب العزة فلما سأله قال له هو سر من أسراري أودعه قلب من أحببت من عبادي لا يطلع عليه ملك فيكتبه ولا شيطان فيفسده" قال بعضهم: هو مقام الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه والإخلاص على ثلاث درجات درجة العوام والخواص وخواص الخواص، فإخلاص العوام هو إخراج الخلق من معاملة الحق مع طلب الحظوظ الدنيوية والأخروية كحفظ البدن والمال وسعة الرزق والقصور والحور، وإخلاص الخواص طلب الحظوظ الأخروية دون الدنيوية، وإخلاص خواص الخواص أخراج الحظوظ بالكلية فعبادتهم تحقيق العبودية والقيام بوظائف الربوبية أو محبة وشوقاً إلى رؤيته.

قال الشيخ أبو طالب رضي الله عنه:" الإخلاص عند المخلصين إخراج الخلق من معاملة الحق وأول الخلق النفس والإخلاص عند المحبين أن لا يعملوا عملاً لأجل النفس وإلا دخل عليها مطالعة العوض أو الميل إلى حظ النفس والإخلاص عند الموحدين خروج الخلق من النظر إليهم في الأفعال وعدم السكون والإستراحة إليهم في الأحوال".

وقيل أيضاً لا تجتمع مراقبة الحق مع مراقبة الخلق أبداً إذ محال أن تشهده وتشهد معه سواه اه والحاصل لا يمكن الخروج من النفس والتخلص من دقائق الرياء من غير شيخ أبداً والله تعالى أعلم.

تعليقات

التنقل السريع