من آداب العارف أن يكون كامل العقل ثاقب الذهن، ومن
علامة العقل إنتهاز الفرصة في العمل ومبادرة العمر من غير تسويف ولا أمل، إذ ما
فات منه لا عوض له وما حصل لا قيمة له وفي الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
أنه قال:" أَلا وَإِنَّ مِنْ عَلامَاتِ الْعَقْلِ التَّجَافِي عَنْ دَارِ
الْغُرُورِ ، وَالإِنَابَةَ إِلَى دَارِ الْخُلُودِ ، وَالتَّزَوُّدَ لِسُكْنَى
الْقُبُورِ ، وَالتَّأَهُّبَ لِيَوْمِ النُّشُورِ" و قَالَ رَسُولُ اللَّهِ
صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " الْكَيِّسُ مَنْ دَانَ نَفْسَهُ وَعَمِلَ
لِمَا بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَالْعَاجِزُ مَنْ أَتْبَعَ نَفْسَهُ هَوَاهَا
وَتَمَنَّى عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ " . والكيس هو العاقل، ودان نفسه
حاسبها، وفي صحف إبراهيم عليه السلام: "وعلى العاقل ما لم يكن مغلوباً على
عقله، أن تكون له ساعات ساعة يناجي فيها ربه عز وجل، وساعة يحاسب فيها نفسه وساعة
يتفكر فيها في صنع الله عز وجل، وساعة يخلو فيها بحاجته من المطعم والمشرب، وعلى
العاقل أن لا يكون ظاعناً إلا لثلاث: تزود لمعاد أو مرمة لمعاش أو لذة من غير
محرم، وعلى العاقل أن يكون بصيراً بزمانه مقبلاً على شأنه حافظاً للسانه، ومن حسب
كلامه من عمله قل كلامه إلا فيما يعنيه".
فإحالتك الأعمال وتأخيرها إلى وقت آخر تكون فيه فارغ
القلب أو القالب من علامة الرعونة والحمق وهو غرور، ومن أين لك أن تصل إلى ذلك
الوقت والموت هاجم عليك من حيث لا تشعر، وعلى تقدير وصولك إليه لا تأمن من شغل آخر
يعرض لك وفراغ الأشغال من حيث هو نادر لقوله عليه السلام:" نِعْمَتَانِ
مَغْبُونٌ فِيهِمَا كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ ، الصِّحَّةُ وَالْفَرَاغُ "أي
كثير من الناس فقدوهما وغبنوا فيهما إذ كثير منهم لا تجده إلا مشغولاً بدنياً أو
مفتوناً بهوى أو مريضاً مبتلى، وأن القليل من الناس رزقهم الله الصحة والفراغ فإن
عمروهما بطاعة مولاهم فقد شكروا وربحوا ربحاً عظيماً، وإن ضيعوهما فقد خسروا
خسراناً مبيناً، وكفروا بهاتين النعمتين، فجدير أن تسلبا عنهم، وهو أيضاً من علامة
الخذلان، فالواجب على الإنسان أن يقطع علائقه وعوائقه ويخالف هواه ويبادر إلى خدمة
مولاه ولا ينتظر وقتاً آخر، إذ الفقير ابن وقته فلا تجده مشغولاً إلا بفكرة أو
نظرة أو ذكر أو مذاكرة أو خدمة شيخ يوصله إلى مولاه وقد قلت لبعض الإخوان:"
الفقير الصديق ليس له فكرة ولا هدرة إلا في الحضرة أو ما يوصله للحضرة" والله
تعالى أعلم.
تعليقات
إرسال تعليق