القائمة الرئيسية

الصفحات

كلمة سماحة مفتي الجمهورية التونسية في تأبين المرحوم الشيخ محمد المختار السلامي

كلمة سماحة مفتي الجمهورية 

في تأبين المرحوم الشيخ محمد المختار السلامي


الله أكبر – الله أكبر – الله أكبر
إنا لله وإنا إليه راجعون
كل نفس ذائقة الموت . والسعيد من امتلأ قلبه إيمانا ، وعقله حصافة وعلما ونباهـــــــة ، وعمل بعلمه وأفاد واستفاد ، فإذا جاء أجله بشرته ملائكة الرحمان بمقعده في جنة الخلد مع الأنبياء والشهداء والصالحين ، وكانت أعماله في الدنيا خير زاد يتمتع به في الآخرة ، فهو جزاؤه وأنيسه في القبر وشفيعه بين يدي الله عز وجل ، وكان قبره روضة من رياض الجنة ، وكان يوم البعث في ظل عرش الرحمان لا يمسه سوء ولا نصب ذلك ما وعد به عباده المتقين ، تحيتهم فيها سلام وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين . 
واليوم وفي هذه الساعة الأليمة الفارقة بين عالمين ، عالم الدنيا بما فيها من تكليف ونصب ، وعالم الخلود الحقيقي في جنة المأوى لعباد الله المتقين ، نقف فـــــــي خشوع وإجلال لنلقي آخر نظرة على عالِم من كبار علماء تونس بل والعالم الإسلامي ونشيعه الى مثواه الأخير بجزيل الدعاء له بالرحمة والمغفرة ، إنه سماحة الشيخ المفتي الأسبق سيدي محمد المختار السلامي الذي عاش حياة حافلة بالعمل الجاد سواء في رحاب جامع الزيتونة المعمور طلبا ومدرسا وإداريا محنكا ، ويعد رحمه الله آخر عنقود من علماء الزيتونة . 
فقد كنت وأنا في مقعد الدراسة بالسنة الأولى من التعليم الزيتوني الفرع الطابعي بتونس أسمع عنه الكثير وكلما تقدمت في مدارج الدراسة ازدادت معرفتي به عن طريق الطلبة الذين تتلمذوا له في الفرع اليوسفي وكان تولى إدارته باقتدار . ثم لما وقع حل جامع الزيتونة وفروعه تولى النظارة بمعهد ابن شرف بكفاءة عالية مشهود له بها . 
ثم تولى مهمة تفقد مادة التربية الإسلامية بالمعاهد الثانوية فتحمل الأمانة بنجاح منقطع النظير موجها وملاحظا ومصححا للمبتدئين من الأساتذة ومكونا لهم من الناحيتين العلمية والبيداغوجية لا يحابي أحدا ، وذلك من أجل تكوين جيل من الأساتذة الممتازين مراعيا في ذلك المصلحة العامة مـــــــــن أجل النهوض بمادة التربية الإسلامية حتى يكون لها الإشعاع اللازم والمصداقية المطلوبة وحتى يجلب لها الاحترام والتقدير وينفع بها البلاد والعباد . 
ولما توفي الشيخ العلامة محمد الفاضل ابن عاشور رحمه الله وجماعة أخرى من المدرسين بالكلية الزيتونية للشريعة وأصول الدين دعي رحمه الله لتعزيز الإطار المدرس وأسندت له مادة التفسير بالسنة الرابعة وهي سنة التخرج فزاد إعجابنا به وبمكانته العلمية ورسوخ قدمه في مادة التفسير . 
وقد نالني شرف أن كنت أحد تلاميذه في تلك السنة وكان رحمه الله يعد درسه إعدادا جيدا ويلقيه علينا ارتجالا فظهر نبوغه في هذه المادة من خلال نقد أقوال السابقين من شراح كلام الله عز وجل وتصحيح أخطائهم ببيان أوجه الخطأ وأوجه الصواب . 
ولما دعي فضيلة شيخنا المرحوم محمد الحبيب بلخوجة المفتي الأسبق ليتولى مهام الأمانة العامة لمجمع الفقه الإسلامي الدولي بجدة آلت خطة الإفتاء إليه فكان خير خلف لخير سلف فتولاها لمدة ناهزت أربعة عشر سنة وكان في عمله مقتدرا كفءا مجتهدا ، وأفصحت فتاويه عن مكانته العلمية الراسخة وقدرته الفائقة على إيجاد حلول لما يعرض عليه من أسئلة مختلفة . وتولى رئاسة المجلس الإسلامي الأعلى في الفترة الأولى من تأسيسه . 
إن وفاتك يا شيخنا رزية لكل من عرفك واستفاد من علمك ، فقد غيبتك المنون ولا راد لحكم الله ولكن لن يغيب عنا فكرك وعلمك وما أنتجته سيبقى خالدا مع الزمن . 
رحمك الله رحمة واسعة وأسكنك فراديس جنانه وجعل قبرك روضة من رياض الجنة .
بسم الله الرحمان الرحمان الرحيم
يا أيتها النفس المطمئنة ارجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي .


تعليقات

التنقل السريع