القائمة الرئيسية

الصفحات

وإنّ في حادث #الهجرة لعبرة لمن يعتبر

 ثمّ لما مضت أعوام على هاته الحالة ظهر لرسول الله صلى الله عليه وسلم أنّ بقاءه بمكة والمشركون على ما هم عليه من الكفر والعناد والمقاومة لا يمكن معه الوصول إلى الغاية التي يسعى لتحقيقها، فاستأذن من ربه سبحانه وتعالى في أمر الهجرة، فهاجر إلى المدينة، ومعه أتباعه الذين آمنو به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه، فوجد فيها أنصارا أعزوه واعتزوا به. وأكرموا من هاجر معه فطاب له فيها المقام وتهيأت الأسباب لنشر كلمة الإسلام، وقرّت عينه عليه الصلاة والسلام.

وعند ذلك دخل الإسلام في طور جديد، وتهيأت أسباب الدعوة، وتفرّغ الرسول صلى الله عليه وسلم إلى العمل العظيم الذي كُلّف به، فتوالت الغزوات، واستمرت الفتوحات، ودُكّت معالم الشرك فارتجت ارتجاجا، ودخل النّاس في دين الله أفواجا، ونفذت كلمة الله إلى سائر الأسماع، وانتشرت في جميع البقاع، فذلك هو حادث الهجرة وتلك هي آثارها.
ثمّ استمر الإسلام على النمو والانتشار، حتى صارت دولة الإسلام أقوى الدول، وحتى صارت مدنية الإسلام أرقى المدنيات، وحتى صارت الأمّة الإسلامية هي مضرب الأمثال في عدلها وقوّة سلطانها، واستمر الحال على ذلك حينا من الدهر، ثم دالت الدولة، وضعفت الصولة، وطرأ على جسم الأمة الإسلامية الاعتلال، وحتى كادت تصل إلى الاضمحلال، حيث تغلبت الأغراض، وتشتت الجمع، وتفرقت الكلمة، وسادت الفوضى، وصارت الأمة الإسلامية أضعف الأمم، تساق بالعصى، وتغزى وهي في عقر دارها، وتعامل بأنواع الخسف والهوان، وتشج فلا يرثى لها أحد، وتقهر ولا تستفيد من كثرة العدد.
فهل يدوم الحال على ذلك؟ وهل لمعالجة ما عليه المسلمون من سبيل؟
أمّا دوام الحال فمن المحال، وأما العلاج فهو سهل بسيط، ذلك أن الرجل العاقل هو الذي يقارن بين ماضيه وحاضره، ويبحث عن أسباب عزه عندما كان عزيزا، ويبحث عن أسباب ذلّه عندما صار ذليلا، فيدرأ عن نفسه أسباب الخلل، ويتدرع بالطرق الناجحة من وجوه العمل.
وإنّ في حادث الهجرة لعبرة لمن يعتبر، ولا ينبغي أن يمر به الإنسان كحادث يكفيه منه أن يعلمه، بل يجب أن يقلبه ظاهرا وباطنا، ويستخلص منه ما فيه من أسرار، ثمّ يسعى للعمل على ذلك حتى يصل إلى الغاية التي يقصدها، والغرض الذي ينشده.
الشيخ محمد المختار بن محمود رحمه الله
ذكرى الهجرة - المجلة الزيتونية

Image may contain: ‎1 person, ‎text that says '‎الشيخ محمد المختار بن محمود " وإن في حادث الهجرة لعبرة لمن يعتبر، ولا ينبغي أن يمر به الإنسان كحادث يكفيه منه أن يعلمه، بل يجب أن يقلبه ظاهرا وباطنا، ويستخلص منه ما فيه من أسرار، ثمّ يسعى للعمل على ذلك حتى يصل إلي الغاية التي يقصدها، والغرض الذي ينشده. DAAR fb.com/tahrir.tanwir نتحبكة تحریر وتنوير ونحریر‎'‎‎

تعليقات

التنقل السريع