القائمة الرئيسية

الصفحات

توضيح لمسألة القيمة الّتي يقوّم بها التّاجر المدير سلعه

ذكرت في مقال سابق متعلّق بتقويم التّاجر المدير سلعه للزّكاة، الضّوابط التي ذكرها فقهاء المذهب لمعرفة القيمة المطلوبة في التّقويم، وقد سأل بعض القرّاء الأفاضل هل يكون التّقويم بثمن الشراء أو البيع؟

وللتّوضيح، فإنّ قيمة السّلعة تختلف عن ثمنها الّذي تباع أو تشترى به، فقد تكون قيمتها أرفع من ثمنها وقد تكون أقلّ منه، فليس المطلوب ثمنها؛ لأنّ الأثمان تعتمد المغالبة والمراوضة بين البائع والمشتري، كلّ منهما يريد أن يصل إلى يده أكثر ممّا يخرج منها، ويرجع تحديد ذلك للمتبايعين بالتراضي.
وأمّا القيمة فتكون معادلة للشّيء ومساوية لماليته الحقيقية في الواقع، وذلك يعرفه المقوّمون ممّن لهم الخبرة بالتقويم، ويكون غالبا من أهل سوق تلك السلعة.
وتختلف قيمة السّلعة الواحدة باختلاف سُوقها الذّي تسعّر فيه، وسعر سوقها يحدّده تعلّق رغبات النّاس بتلك السّلعة أو زهدهم فيها، ويُراعى في ذلك الزّمان والمكان. ولذلك لا تقوّم بثمنها الّذي اشتريت به مثلا من عند بائع الجملة؛ لأنّه قد انقضى وأصبح من الماضي، كما إنّه لا يدلّ على قيمتها المساوية لها حقيقة في اليوم الّذي اشتراها فيه.
ولا تقوّم بثمنها الّذي يقصد التّاجر بيعها به؛ لأنّ ثمن السّلعة (رأس مالها مع ربحها) الّذي يقصد الحصول عليه لم يدخل بعدُ في ملكه، ومن شروط وجوب الزّكاة الملك التّام للمال، وهو مفقود هنا، بل إنّ التّاجر المدير قد يبيع بأقلّ ممّا يريد، وربّما يبيع بخسارة، ومن الإجحاف بالتّاجر، الّذي تنزّه عنه الشريعة في تكاليفها، أن يطالب بإخراج الزّكاة عن مال لم يحصل عليه، وقد لا يحصل عليه، ولذلك طولب بتقويم السلع المعروضة للبيع يوم التّقويم؛ لأنّه لا يملك إلاّ قيمتها في ذلك اليوم.
ولذلك قلنا في المقال السابق: مقتضى قول فقهاء المذهب [1] أن يقع تقويم السّلعة بسعرها من مصدرها الّذي يشتريها منه البائع عادة؛ وذلك أقرب إلى قيمتها الحقيقية؛ لأنّ المصادر الّتي تشترى منه تلك السلعة تعتبر سوقا لها بالنسبة للتاجر، سواء اشتراها بالجملة أم بالفرد.
وعليه، فإنّ القيمة المعتبرة في التّقويم هي: "سعر السّوق الّذي يشتري منه التّاجر في يوم التّقويم"، بأن يسأل يوم التّقويم ما هو سعر السّلع الّتي بين يديه لو أراد شراءها يومها من مزوّديه، فيقوّمها به، ولا يعتبر ما اشترى به سابقا، ولا إلى ما سيبيع به لاحقا. والله أعلم.
الشيخ الحبيب بن طاهر.
--------------------
[1] انظر هذه الأقوال: كتاب "القيمة في زكاة التّجارة" الحبيب بن طاهر.

الزكاة


تعليقات

التنقل السريع