القائمة الرئيسية

الصفحات

رسالتنا إلى السادة الأئمّة الخطباء

الحَمْدُ للهِ الَّذِي شَرَعَ لِلإِنْسَانِ مَا يَحْـفَظُ صِحَّـتَهُ، وَيَصُونُ قُوَّتَهُ، وَيَقِيهِ سَقَمَهُ وعِلَّتَهُ، وَأَشْهَدُ أَن لا إِلَهَ إِلا اللهُ وَحْدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ، بِيَدِهِ الضُّرُّ وَالبَلاءُ، وَالنَّفْعُ وَالشِّفَاءُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ، أَكْـثَرُ النَّاسِ حِرْصًا عَلَى مَا يَحْمِيهِ، وَأَبْعَدُهُمْ عَمَّا يَضُرُّهُ وَيُؤْذِيهِ، صلى الله عليه وسلم وَعَلَى آلِهِ وَأصْحَابِهِ الطَّيِّبِينِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.
وبعد؛
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تبعا لما لاحظناه في الأسابيع الأخيرة من تراخٍ في تطبيق الإجراءات الوقائيّة الصحية في إطار مجابهة جائحة الكورونا، وخصوصا تعمّد عدد من الأئمّة الإطالة في الخطبتين وفي الصلاة بما يتجاوز ما هو مسموح به وهو أن لا تتجاوز الخطبتان والصلاة 15 دقيقة، فإنّنا نذكرهم مرةً أخرى وبكلّ لطف ومسؤوليّة بضرورة الاحتياط وتجنّب بل وترك الإطالة في هذه الظروف التي تمرّ بها بلادنا وسائر دول العالم تجاوبا مع دعوة وزارة الشؤون الدينية  وعملا بقول الله تعالى :”يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ خُذُواْ حِذْرَكُمْ” (النساء: 71)، ذلك أنّ ديننا يدعو إلى الوقاية وإلى الأخذ بالأسباب ففي صحيح مسلم عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: (كان في وفد ثقيف رجلٌ مجذوم قدم ليبايع النبي صلى الله عليه وسلم، فأرسل إليه صلى الله عليه وسلم أن ارجع فقد بايعناك)، وفي صحيح البخاري عَنْ أَبِي سَلَمَةَ أنه سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، يَقُولُ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:<<لاَ يُورِدَنَّ مُمْرِضٌ عَلَى مُصِحٍّ>> وفي صحيح مسلم عَنْ صُهَيْبٍ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ، إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ ؛ إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ".
إنَّ العمل على نشر التوعية بأهمية العافية وأسباب الوقاية من الأمراض والأوبئة والحرص على تحقيق ذلك عمليًّا هو من باب التعبّد ومن باب الأخذ بالأسباب في صرف الأوبئة والأمراض عن النفس والأهل والمجتمع. 
ولقد أدرك الصحابة رضوان الله عليهم هذا المعنى، وفهموا أنّ الإيمان بالقدر لا يعني ترك الأخذ بالأسباب، ولهذا أنكر عمر بن الخطاب على أبي عبيدة رضي الله عنهما ربطه الإيمانَ بالقدر بعدم الإخذ بالأسباب، كما ورد في قصة طاعون عمواس الشهير، فحين همَّ عمر بالرجوع إلى المدينة في حدود الشام، قال له أبو عبيدة بن الجراح: أفرارا من قدر الله؟، فدهش عمر لهذا الاعتراض وقال لأبي عبيدة: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة: نعم نَفِرُّ من قدر الله إلى قدر الله، ثم أردف قائلاً: أرأيت لو كان إبل هبطت وادياً له عُدوتان إحداهما خصيبة والأخرى جديبة، أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله وإن رعيت الجديبة رعيتها بقدر الله.
و لنا في قواعد الأصول المعتبرة شرعا أمثلةٌ كثيرة مثل قاعدة {الضرر يدفع بقدر الإمكان} فهذه القاعدة تفيد وجوب دفع الضرر قبل وقوعه بكل الوسائل والإمكانيات المتاحة، وفقاً لقاعدة المصالح المرسلة والسياسة الشرعية، فهي من باب الوقاية خيرٌ من العلاج، ويكون ذلك بتعميم الإجراءات الوقائية لدفع الإصابة بالأمراض المعدية، وبالحجر الصحي على المرضى والحاملين للمرض..
ونذكّر الجميع أنَّ الواجب الشرعي علينا في ظل انتشار “فيروس كورونا” أن نتوكل على الله حقَّ التوكل، ونؤكد إيماننا بالقضاء والقدر، وأنّ من تمام التوكل على الله عزَّ وجلَّ في مواجهة “فيروس كورونا” الأخذ بأسباب الوقاية، وأن نأخذ بالأسباب الصحية حسب ما تقرره الجهات الطبية المختصة المعتبرة اليوم "أهل الذكر" قال تعالى: ((فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ)) النحل (43). 
لذلك، رجاءً ارحموا الخلق وتجنّبوا الإطالة واعملوا على توعية روّاد بيوت الله بضرورة التوقي وارتداء الكمامات الواقية وجوبا { لأنّ ارتداءها اليوم أصبح واجبا شرعيّا)، واصطحاب السجاد والوضوء في البيوت (إلا في حال الضرورة في ميضاة المسجد)، والتباعد في الصفوف وعدم المصافحة والتقبيل والاكتفاء بالتحية من بعيد وغير ذلك من الإجراءات الوقائية.
نسأل الله تعالى أن يعافينا من كل بلاء ووباء،
وأن يحفظ بلادنا وبلدان الدنيا كلها من الأمراض والأوبئة الفتّاكة القاتلة.
اللهم اجعلنا في أمانك وضمانك، واشف مرضانا وكل المرضى من عبادك..اللهم آميـــــــن..
المدير الجهوي للشؤون الدينيّة ببنزرت


تعليقات

التنقل السريع