القائمة الرئيسية

الصفحات

ما نعبدهم الا ليقربونا الى الله زلفى

 

الدكتور زيادحبوب ابو رجائي

قال الله تعالى : { أَلَا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ }

الاية تشمل لفظين للتنديد والتشنيع عليهم في سياقها وهما : عبادة الاصنام(ما نعبدهم) والشفاعة الواسطة(تقربنا زلفى)

وابن تيمية واتباعه يصرّون على اختزال الاية بالشفاعة فقط وهذا لا وجه حق فيه

حيث ان العقل والنقل لا يُسلّم لهم بذلك-كما سيأتي-

ووجه الخطأ في هذا الاعتبار انهم ينزلون ذلك على المسلمين الموحدين منزلة الكفار المشركين على الرغم ان اجماع الامة بعدم تجويز تنزيل ايات الكفار على المسلمين صونا لحرمة المسلم عند الله وتجنبا لفتح باب التكفير على عواهنه كما يحدث الان من الوهابية

وتأصيل المسألة في دائرة الشفاعة فقط يحتاج الى دليل، واختزال العبادة في الاية بمعنى اقرارهم بالربوبية لله  يحتاج الى دليل آخر. بل العكس هو ما يقرره القرآن عن مشركي قريش بان الربوبية لاصنامهم ..أي: فبين الله أنهم لم يعبدوها للشفاعة بل لما يظنون فيها من النفع والضر وهذا شرك في الربوبية!!

فدوام المشركون على عبادة الالهة على ليس عبثا بل لقصد الحصول من وراء عبادتها على نفع أو دفع ضر وطلب العز والنصر كما ذكر القران. لكن لما حوججوا بأن من يُعبد هو الخالق المدبر...

اضطروا للكذب وانهم يعبدونها لتشفع. اما ادلتنا على عدم انتهاض قول ابن تيمية واتباعه كدليل على الربوبية لله من المشركين واضح وجلي :

عقلا: الربوبية تعني مطلق التصرف وتدبير لكل شؤون الحياة، آية الزمر هذه ليس فيها تفسير للعبادة حتى يتم حصرها بالربوبية كما يراها ابن تيمية. وقد بيّنها عز وجلّ في ايات اخرى توضحت منها ان المشركين لا يؤمنون بالله كرب له مطلق التصرف بملكوته بل ما عبدوها الا وانهم يعتقدون باستحقاقها لافعال الله:

ونقلا:

أولا: اثبات ان مشركي قريش صرفوا خصائص الرب الى اصنامهم:

1.   كانوا يطلبون النصر منها : {وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ}

2. كانوا يعتقدون انها اندادا لله بمعنى المثل والنظير،وتشابهه في القدرة على القيام بالأفعال الّتي يقوم بها سبحانه : { وَمِنَ النّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللّهِ أَنْداداً}

3.   كانوا يطلبون منها القوة والتمكين: { وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ آلِهَةً لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزّاً }

4.   كانوا يطلبون منها مطلق الشفاعة : { وَلَا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفَاعَةَ }

5. كانوا يعتقدون انها تضر وتنفع:{ قُلْ أَفَرَأَيْتُمْ مَا تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَنِيَ اللَّهُ بِضُرٍّ هَلْ هُنَّ كَاشِفَاتُ ضُرِّهِ أَوْ أَرَادَنِي بِرَحْمَةٍ هَلْ هُنَّ مُمْسِكَاتُ رَحْمَتِهِ }

6.   ويعتقدون انها تضر وتنفع:{ وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنْفَعُهُمْ }

لذلك كما ترى:

الايات تنديد وتشنيع من اللّه سبحانه ، ونقد لعبادتهم التي فيها تصريف خصائص الله تعالى الى الاصنام لا كما زعم ابن تيمية انهم يؤمنون بربوبية الله لمجرد القول! ولا يغني القول عن استحلالهم عمليا وقلبيا ذلك لاصنامهم

 

ثانيا: مشركو قريش يزعمون كذبا التقرب لله لتبرير عبادتهم مجرد دعوى!! كاذبة...
لو كانوا صادقين لما سبوا الله نصرة لآلهتهم قال جل ذكره : { وَلَا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ } فلو ان اصنامهم تقربهم الى الله لما سبوا الله!!

(1) ورود لفظ كاذب وكفار { إِنَّ اللّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ } بنسف نسفا فكرة التيمية بذلك حيث ان مقابلة الالفاظ باسلوب الاقتران في الاية تظهر لكل ذي لب ان كفار رد متين على عبادة الاصنام وكاذب رد متين على تقربنا زلفى

وتصبح قراءة الاية كالتالي: انهم كفار بعبادتهم الاصنام وكذابين بزعمهم لهذا التبرير

(2) وعليه يجري الحديث هنا لماذا تم تقديم الكذب على الكفر على الرغم من ان ترتيب الاية فيما سبق (العبادة ثم الشفاعة).. لذلك قال بعض اهل العلم من اهل السنة ان الله كذب مزاعمهم لانهم ما قالوا ذلك الا لتقديم المعذرة عن عبادتهم بتبرير كاذب (أنّ عبادتهم للأصنام لأجل تحصيل التقرب إلى اللّه تعالى) فنرى قوة التشنيع والتنديد بهم لما يزعمون!!

فأيهما أولى بالتشنيع... التسوية بعبادتهم الاصنام ام مزاعمهم بالتبرير الكاذب؟

لا شك ان التنديد من الله اولى بالعبادة لاصنامهم لانها اعظم من فعل الشفاعة كما قال تعالى:

{ إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا }

قول الامام ابن جرير الطبري في تفسيره ((وقوله: (واجتنبوا قول الزور) يقول تعالى ذكره: واتقوا قول الكذب والفرية على الله بقولكم في الآلهة: (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى)).

قال الشوكاني في فتح القدير / كَاذِبٌ فِي زَعْمِهِ أَنَّ الْآلِهَةَ تُقَرِّبُهُ إِلَى اللَّهِ، وَكَفَرَ بِاتِّخَاذِهَا آلِهَةً

وقال ابن جزي في التسهيل لعلوم التنزيل : إشارة إلى كذبهم في قولهم: ليقربونا إلى الله

وقال ابن عاشور : وقوله : { إنَّ الله يحكم بينهم } وعيد لهم على قولهم ذلك فعلم منه إبطال تعللهم في قولهم : { ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله }  وهو كناية عن كونهم كاذبين في قولهم.

 

وعليه يتضح ان :

1.   مشركي قريش كانت ربوبيتهم للاصنام وليست لله كما زعم ابن تيمية واتباعه

2.    التشنيع عليهم لعبادتهم الاصنام فقط وليس للواسطة

3. قولهم ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله هو مجرد كذب وادعاء وتبرير كاذب ينطقونه نطقا على السنتهم ولا يجري مجرى الاستحلال القلبي فالفرق واضح بين مشركي قريش انه مشركو ربوبية وليسوا مؤمني ربوبية كما زعم ابن تيمية وان التسوية بينهم وبين المسلمون قد جر علينا الويلات وفتح باب التكفير على مصرعيه .. .

فالمسلمون يعتقدون أن الله واحد لا شريك له وأن ما سواه ليسوا أربابا كبارا ولا صغارا ولا آلهة مع الله ..وإنما أسباب ووسائل(الوسيلة) الى الله لكونها مرضية عنده كالعمل الصالح المتوسل به فهو مخلوق ويتوسل به وتوسل عمر بعم رسول الله العباس لمكانة وجاه رسول الله فيهم كما ذكر ابن عباس في تبرير عمل عمر رضي الله عنهما وكما سكت عمر بن الخطاب على خازنه بلال في ذهابه الى قبر الرسول في حياة عمر وطلبه من الرسول ان يستسقي الله لهم بعد ان عم القحط والجفاف في المدينة وضاق الحال على الامة .. والقصة مشهورة ...

وكل هذه الأسباب لا تضر ولا تنفع بذاتها ولا مع الله وإن جرى على أيديها نفع أو دفع ضر فهو من الله حقيقة ..وهي مجرد وسائل ليست مقصودة لذاتها بل هي وسيلة للتقرب من الله من خلال كرامة ومكانة الانبياء والصالحين عند الله فيستجيب لدعائنا له كرامة لهم.

منقول عن الدكتور زيادحبوب ابو رجائي موقع شبكة الرجاء الإسلامية

تعليقات

التنقل السريع