القائمة الرئيسية

الصفحات

*** الشيخ وليد المزداري يكتب عن " كورونا " ***

*** الشيخ وليد المزداري يكتب عن " كورونا " ***

المقدّمة:

من لم يعِ التاريخ في صدره *** لم يدر حلو العيش من مُرِّه

ومن وعى أخبار من قد سبقوا **** أضاف أعماراً إلى عمره

الجوهر:

*الأزمات لا تدار بنشر الفزع أوالهلع ولا بالتهوين أو التخوين و لا بالتهويل أو التنبير وعدم الاكتراث وإنما بالطمأنة و الجديّة و الصراحة و التشاور بين أهل الاختصاص و الإستشراف و التضرّع و الدعاء.

*«ما نعرفوا رب كان ليلة الرعد »
الإستشراف غائب عن جلّ الوزارات و الإدارات و الجماعات المحليّة و الجمعيات و القرى و المساجد و المدارس و العائلات

*التأويل لبلاء كورونا -عند البعض-خاطئ فهو ابتلاء بمعنى اختبار لقدراتنا نعم.
الكورونا ليس له مذهب أو دين نعم ،فقد مات أبو عبيدة بن الجراح و معاذ بن جبل .
هو بيان لضعف الإنسان نعم .
هو حرب باردة نعم 
هو للتخويف و الإعتبار و المحاسبة الذاتية و الجمعيّة نعم «و ما نرسل بالآيات إلا تخويفا» .
هو دعوة للإنسانية حتى تستفيق من أنانيتها و تستغيث بارئها نعم.
فلننظر إلى الأزمة من كل جوانبها فهي معقّدة.

*«ليظهره على الدّين كله» ليس فرضا و لا جبرا وإنما ظهور حاجة و ظهور حجّة (انتبهوا لبعض الأحاديث النبوية التي تحثنا على الأدب والذوق ولا تتخذوها مثارا للسخرية إن هو إلا وحي يوحى فإن أشكل علينا حديث لا نردّه بمجرد الهوى)

*معادلات إجرائية عمريّة في عام الرمادة و طاعون عِمواس(18هـ):

1)من المفيد إنشاء إدارة متخصصة للأزمات، عملُها التخطيط للحل قبل الأزمات، والإشراف على التنفيذ عند الأزمة، والتقييم بعد الأزمة.

2)الصواب لمن يتولى حلَّ الأزمة أن يجعل الناس سواسية، حقوقاً وواجبات، إثابة ومحاسبة.

3)أفضل طريقة للاطّلاع على حقائق الأزمة التواصل المباشر مع من وقع فيها من الناس؛ إذ ليس الخبر كالمعاينة، وليس راءٍ كمَن سَمِع.

«لما كان عام الرمادة جاءت العرب من كلِّ ناحية، فقدموا المدينة، فكان عمر قد أمر رجالاً يقومون بمصالحهم، فسمعتُه يقول ليلة: (أحصوا الرجال عندنا)، فأحصوهم من القابلة، فوجدوهم سبعة آلاف رجل، وأحصوا الرجال المرضى والعيال فكانوا أربعين ألفاً. ثم بعد أيام بلغ الرجال والعيال ستين ألفاً. [تاريخ الإسلام للإمام الذهبي 4/365].

وقد وكّل عمر بهم من يعطيهم قوتاً وحملاناً إلى باديتهم، وكانت القدور يقوم عليها عمال عمر من السَّحَر يعملون الطعام للناس.

وعيّن عمر أمراء على نواحي المدينة لتفقُّد أحوال الناس، فكانوا يشرفون على تقسيم الطعام والإدام على الناس، وإذا أمسوا اجتمعوا عنده، فيخبرونه بكل ما كانوا فيه، وهو يوجّههم.

ومثل الذي فعله في أزمة المجاعة فعله في أزمة الطاعون، فقد عزم على أن يطوف على المسلمين في بلدانهم لينظم أمورهم، ويطَّلع عن كَثَب لا عن كتب بالذي حلَّ بهم، واستقر رأيه بعد المشورة على أن يبدأ بالشام، ثم يتقلب في البلاد يرتّب شأنهم ويساعد في شدّ أزرهم، وهكذا فعل»

4)توسيع رقعة الشورى

«لا تستحقروا أنفسكم لحداثة أسنانكم، فإن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كان إذا أعياه الأمر المعضل دعا الأحداث فاستشارهم لحدّة عقولهم، وكان يشاور المرأة) [أخبار عمر للطنطاوي]

ومع كل هذا ، فقد كان سيدنا عمر في زمن الأزمة يمد رقعة المشورة، ليجعلها تتسع فيفيد من كل ذي رأي في المساعدة في مواجهة الأزمة.

خطب رضي الله عنه بالشام بعد طاعون عمواس: (ألا إني قد وُلّيتُ عليكم ، وقضيت الذي علي في الذي ولاني الله من أمركم إن شاء الله، فبسطنا بينكم فيئكم ومنازلكم ومغازيكم، وأبلغنا ما لدينا، فجندنا لكم الجنود، وهيأنا لكم الفروج، وبوأنا لكم ووسعنا عليكم... ، فمن علم شيئاً ينبغي العمل به فليُعلِمنا، نعملْ به إن شاء الله، ولا قوة إلا بالله)».

ويجب أن يجتمع في أهل الشورى سبعة شروط عليها مدار الشورى:

الفطنة والذكاء/الأمانة /الصدق/ أن يَسلموا فيما بينهم من التحاسد والتنافس، أن يَسلموا فيما بينهم وبين الناس من العداوة والشحناء/أن لا يكونوا من أهل الأهواء/ أن يكونوا ممن حنكتهم التجارب وعركتهم النوائب.

5)مهما ضاقت بك الأزمات وبذلتَ في حلّها الأسباب فلا تغفل عن الالتجاء إلى مسبّب الأسباب.

خطب عمر الناس في زمان الرمادة، فقال: (أيها الناس، اتقوا الله في أنفسكم وفيما غاب عن الناس من أمركم، فقد ابتُليت بكم وابتُليتم بي، فما أدري ألِسَخطة عليَّ دونكم، أو عليكم دوني، أو قد عمّتني وعمّتكم، فهلمّوا فلندع الله أن يُصلح قلوبنا، وأن يرحمنا، وأن يرفع عنا الـمَحْلَ)، فرئي عمر يومئذ رافعاً يديه يدعو الله، ودعا الناس، وبكى وبكى الناس ملياً، ثم نزل.

وعن عبد الله بن ساعدة قال: رأيت عمر إذا صلى المغرب نادى: أيها الناس، استغفروا ربكم ثم توبوا إليه، وسلوه من فضله، واستسقوا سقيا رحمة لا سقيا عذاب، فلم يزل كذلك حتى فرّج الله ذلك.

ولما أجمع عمر أن يستسقي ويخرج بالناس كتب إلى عماله أن يخرجوا يوم كذا وكذا، وأن يتضرعوا إلى ربهم ويطلبوا إليه أن يرفع هذا الـمَحْلَ عنهم، وخرج لذلك اليوم عليه بردة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى انتهى إلى المصلى، فخطب الناس، وتضرع وجعل الناس يلحّون، وقال في دعائه: (اللهم إني قد عجزت، وما عندك أوسع لهم)، ثم أخذ بيد العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال، اللهم هذا عم نبيك صلى الله عليه وسلم، نتوجه إليك به، وببقية آبائه، وكبير رجاله، فإنك قلت وقولك الحق: {وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا} [الكهف : 82]، فحفظتهما لصلاح أبيهما، فاحفظ اللهم نبيك في عمه، فقال العباس وعيناه تنضحان: اللهم إنه لا يَنزل بلاء إلا بذنب، ولا يُكشَف إلا بتوبة، وقد توجّه القوم إليك لمكاني من نبيك صلى الله عليه وسلم، وهذه أيدينا مبسوطة إليك بالذنوب، ونواصينا بالتوبة، فاسقنا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، يا أرحم الراحمين، اللهم أنت الراعي لا تهمل الضالة، ولا تدع الكسير بدار مضيعة، فقد ضرع الصغير، وفرق الكبير، وارتفعت الشكوى، وأنت تعلم السر وأخفى. اللهم أغثهم بغياثك قبل أن يقنطوا فيهلكوا، فإنه لا ييأس من روحك إلا القوم الكافرون.

فسقى الله القوم وكشف الغمة وأزال الأزمة.

وكان عمر رضي الله عنه في أيام الأزمة -على ما يرويه ولده عبد الله -: لا يزال يصلي من الليل، حتى إذا كان آخر الليل يدعو من السحر، فيقول: (اللهم لا تجعل هلاك أمة محمد على يدي، اللهم لا تهلكنا بالسنين، وارفع عنا البلاء، اللهم إياك نعبد وإياك نستعين، اللهم اغفر لنا وارحمنا وارض عنا).

الخاتمة :

• كل شيء أراده الله وقع و كل شيء وقع أراده الله و إرادة الله متعلقة بالحكمة.

• «هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ۖ حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَفَرِحُوا بِهَا جَاءَتْهَا رِيحٌ عَاصِفٌ وَجَاءَهُمُ الْمَوْجُ مِن كُلِّ مَكَانٍ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ ۙ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ لَئِنْ أَنجَيْتَنَا مِنْ هَٰذِهِ لَنَكُونَنَّ مِنَ الشَّاكِرِينَ »

• "لا يُورِد مُمْرِضٌ على مُصِحٍّ"

• تحيّة إلى جيوش الصحّة المناضلين الذين لا يفرّون يوم الزحف بل يفرون إلى «و من أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا»



عزف و نبش وحفريات لوليد المزداري في 13 مارس 2020

تعليقات

التنقل السريع