القائمة الرئيسية

الصفحات

قال الله تعالى :
كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْت وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ"-آل عمران 185-
صدق الله العظيم

نزلت هذه الآية بعد غزوة أحد ورغم أنها تتحدث عن الموت إلا أن فيها تسلية للمؤمنين على ما أصابهم يوم أحد وإبطال لزعم المنافقين إذ قالوا للمسلمين لو لم تخرجوا للقتال لسلمتم من الموت وأكد فيها المولى عز وجل بأن كل نفس لابد لها من نهاية فلا تأسفوا على شهدائكم الذين قتلوا في سبيل الله فسيوفَّون أجورهم عند ربهم

كلمة كُلُّ تدلّ على الشُّمول والاستغراق والتَّمام لأفراد ما تضاف إليه فإذا أضفناها إلى كلمة نفس أفادت أن كل ما يصح عليه إطلاق كلمة "نفس" ميت لا محالة فدخلت فيها كل الكائنات من بشر وجن وملائكة وقد اختلف العلماء في الملائكة على قولين والجمهور على دخولهم فعن ابن عباس أنه قال : لما نزل قوله تعالى "كل من عليها فان" قالت الملائكة "مات أهل الأرض" فلما نزل قوله "كل نفس ذائقة الموت" قالت الملائكة "متنا"
فهو تعالى وحده الحي الذي لا يموت والإنس والجن يموتون ، وكذلك الملائكة وحملة العرش ، وينفرد الواحد الأحد القهار بالديمومة والبقاء ، فيكون آخرا كما كان أولا، قال تعالى " هو الأول والآخر والظاهر والباطن"

وفي الآية تعزية لجميع الناس ، فإنه لا يبقى أحد على وجه الأرض حتى يموت ، فإذا انقضت المدة وفرغت النطفة التي قدر الله وجودها من صلب آدم وانتهت البرية أقام الله القيامة وجازى الخلائق بأعمالها جليلها وحقيرها، كثيرها وقليلها، كبيرها وصغيرها، فلا يظلم أحدا مثقال ذرة.

أما قوله "توفون أجوركم" فلا يوهِم نفي كون القبر روضة من رياض الجنة أو حفرة من حفر النار فكلمة التوفية تزيل هذا الوهم لأن المعنى أن توفية الأجور وإكمالها يكون ذلك اليوم وما يكون قبل ذلك فبعض الأجور أما الأجر الحقيقي الذي ينبغي على الإنسان أن يعمل له فهو الأجر الأخروي فإما جنة ونعيم وإما نار وشقاء.

انظروا إلى دقة العبارة: "وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ القيامة" أي إياكم أن تنتظروا نتيجة إيمانكم في هذه الدنيا، لأنكم إن كنتم ستأخذون على إيمانكم ثوابا في الدنيا فهذا زمن زائل ينتهي، فثوابكم على الإيمان لابد أن يكون في الآخرة لكي يكون ثوابا لا ينتهي.

" فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة" ومعنى زحزح أي أبعد وحقيقة فعل زحزح جذب بسرعة وإنما جمع بين "زحزح عن النار وأدخل الجنة" مع أن في الثاني غنمة عن الأول للدلالة على إن دخول الجنة يشتمل على نعمتين عظيمتين : النجاة من النار ونعيم الجنة

وفي هذه الآية لطيفة وجب الإشارة إليها فقد قال تعالى "زُحزح و أُدخل" ولم يقل "تزحزح و دخل" إشارة إلى أن الإنسان لن يدخل الجنة بعمله بل برحمة الله فعن عائشة - رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: سدِّدوا وقارِبوا وأبشِروا؛ فإنه لا يُدخِل أحدًا الجنةَ عملُه، قالوا: ولا أنت يا رسول الله؟ قال: ولا أنا، إلا أن يَتغمدَني اللهُ بمغفرة ورحمة. ولكن على الإنسان أن يسعى ويجتهد في العمل فمن أحب أن يزحزح عن النار ويدخل الجنة فلتدركه منيته وهو مؤمن بالله واليوم الآخر، ويأتي إلى الناس ما يحب أن يُؤتى إليه وهذا شامل للمحافظة على حقوق الله وحقوق العباد.

فقد فاز " أي أن الغنيمة الكبرى هي الدخول إلى الجنة والنجاة من النار"
فوصف الرجل بالفوز يفيد أنه نال الخير مع السلامة بغير نظر إلى ما يقتضيه له من الأعمال وقد وردت كلمة الفوز في القرآن في عدة مواضع وكذلك كلمة الفلاح فوصف الرجل بالفلاح يفيد أن هناك عملا يقتضي له ذلك، لذلك لا يذكر في القرآن لفظ الفلاح إلا مع ما يقتضيه، نحو قوله: "قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ"، وقوله "قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى"، وقوله "فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُون"

عن الربيع بن أنس من طريق سليمان بن عامر قال : إنّ آخر من يدخل الجنة يُعطى من النور بقدر مادام يحبو، فهو في النور حتى تجاوز السراط، فذلك قوله "فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز"

"وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور" شبه الله الدنيا بالمتاع الذي يُدلّس به على الشاري ويُغرّ حتى يشتريه ثم يتبيّن له فساده ورداءته والشيطان هو المدلِّس الغرور، وعن سعيد بن جبير : إنما هذا لمن آثرها على الآخرة، أما من طلب الآخرة فإنّها متاع بلاغ (أي وسيلة للوصول)

فالغرور إذن أن تلهيك متعة قصيرة الأجل عن متعة عالية لا أمد لانتهائها، فحتى لا يغتر عائش في الدنيا فيلهو بقليلها عن كثير عند الله في الآخرة يجب أن يقارن متعة أجلها محدود وإن طال زمانها بمتعة لا أمد لانتهائها، متعة على قدر إمكاناتك ومتعة على قدر سعة فضل الله؛ لذلك كانت الحياة الدنيا متاع غرور ممن غُرّ بالتافه القليل عن العظيم الجليل.

حدثنا أبو كريب قال، حدثنا عبدة وعبد الرحيم قالا حدثنا محمد بن عمرو قال، حدثنا أبو سلمة، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: موضع سوط في الجنة خير من الدنيا وما فيها، واقرءوا إن شئتم " وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور "

الموت حقيقة لا يمكن إنكارها والمسلم الفطن هو الذي يعد العدة للقاء ربه ويعمل كل ما في وسعه في المدة الزمنية القصيرة التي سيعيشها كي يحصّل مرضاة الله ويفوز برحمته بالجنة

المصادر
#مدارك_التنزيل_وحقائق_التأويل #للنسفي
#الكشاف #للزمخشري
#التحرير_والتنوير #لابن_عاشور
تفسير #ابن_كثير
تفسير #الشعراوي

Image may contain: text

تعليقات

التنقل السريع