القائمة الرئيسية

الصفحات

*** اعتكاف في البيوت ... وقيّد .... على الكورونا ***


الحمد لله..
فقد استمعت لتسجيل فيه فتيا حاصلها تقرير جواز الاعتكاف في البيوت، لعموم حديث (جُعلت لي الأرض مسجداً) ولأن التيسير أصل مقصود للشارع، ولأن أبا بكر وعتبان بن مالك رضوان الله عليهما اتخذا مسجداً في دارهما، ولقوله تعالى (واجعلوا بيوتكم قبلة) .
هذا ملخص ما تعلق به.
وفي كل ما ذكره نظر ولا يقوم ما ساقه من الأدلة على ساق، ولا يتجه له الاستدلال به، فإن العموم الذي ذكره غير مراد هنا، لأنه مخصوص بالإجماع على منع الاعتكاف في البيوت، كما نقل هذا الإجماع الحافظ أبو الحسن بن القطان في (الإقناع) وقد تقرر في الأصول تخصيص النص بالإجماع.
يؤكده ما تقرر عند أهل الأصول أن العلماء إذا أجمعوا على قولين لم يجز لمن بعدهم إحداث قول ثالث، إلا إذا كان القول المحدث لا ينقض أصلا مشتركا عليه بين القولين.
وما أحدثه من الاعتكاف في البيوت ينقض أصلا متفقا عليه بين العلماء الذين تنازعوا في تفسير مسجد الاعتكاف على ثلاثة أقوال: هل هو مسجد نبي، أو مسجد جماعة، أو المصلى، ولم يقل أحد منهم بالاعتكاف في البيوت، فوصف البيت ينقض وصف المسجد المتفق عليه ويلغيه كما هو ظاهر، وعليه يبطل هذا القول المحدث.
وما ذكره من التيسير صحيح، لكن كم له من مواضع شدد فيه وتعنت ولم يراع هذا الأصل، ومقتضى التيسير هنا إسقاط الاعتكاف لا إحداث اعتكاف لم يسبق إليه فهو بدعة.
وأما قياسه على قضية أبي بكر وعتبان فهو قياس فاسد للفرق بين الصلاة في البيت والصلاة في مسجد البيت، فلو اتخذ الرجل مسجداً بجوار داره فله الاعتكاف فيه لكن لا يعتكف في داره، وإلا لزم منه أن يسوي بين الصلاة في داره والصلاة في الجماعة في الحكم، وعهدنا به لا يلتزمه لأنه يقول بوجوب الجماعة، ويلزمه أيضا المساواة في الثواب بين الصلاة في المسجد والصلاة في البيت، وهو خلاف النص والإجماع، وإذا فسد اللازم فسد فالملزوم.
وأما تعلقه بقوله تعالى (واجعلوا بيوتكم قبلة) فلا يستقيم له لأنه استدلال بشرع من قبلنا، وقد تقرر أنه لا يسوغ الاستدلال به إذا خالفه شرعنا، وفي إجماع الكافة على منع الاعتكاف في غير المساجد مخالفة ظاهرة لشرع من قبلنا، فالتمسك به ضعيف لأن الإجماع حجة، وأيضا فقوله (واجعلوا بيوتكم قبلة) استدلال منه بأحد قولي العلماء في الآية، هل البيوت المساجد أو بيوت السكن، وعلى الأول لا يتم الاستدلال له وهو ظاهر، وعلى الثاني فيه بحث، وهو أن الأظهر في البيوت أنـها بيوت تشبه الأخواص يمكن تفكيكها لمن يرتحل، لأن أمرهم بـهذا كان عند خروجهم من مصر وإلا فهم في مصر كانت لهم بيوت ومساجد، فلما ارتحلوا كانوا يشتغلون بالارتحال عن الصلاة فأمرهم الله أن يتخذوا مساجد كالبيوت يصلون فيها حال ارتحالهم لئلا ينشغلوا عن الصلاة، فإذا ظعنوا نصبوها وإذا ارتحلوا احتملوها معهم، وأُمروا أن يجعلوها تجاه القبلة مفتوحة إليها كما قال ابن عباس، وهذا هو الذي استظهره العلامة ابن عاشور وهو الموافق لظاهر التوراة، وعليه فلا دليل في الآية أصلا على ما قاله حتى على كون شرع من قبلنا شرعا لنا هنا، والله تعالى أعلم.
وفي إخبار النبي صلى الله عليه وسلم أن العبد إذا مرض أو سافر، أن الله يكتب له أجر ما كان يعمل صحيحا مقيما، لأن مقتضاه استمرار ثواب من كان ديدنه الاعتكاف في أيام هذا الوباء كاستمرار ثوابه إن حال بينه وبين الاعتكاف مرض أو سفر، بجامع مطلق الحصر والمنع عن الاعتكاف، وهو دليل ظاهر على ... التكلف الذي تدفعه أصول الشارع وتضاده،
وبالله التوفيق.
..... أبو جعفر ....



تعليقات

التنقل السريع