القائمة الرئيسية

الصفحات

استحقاق المناصب والولايات عبر المناظرات

 

_______________

كانت المناظرات بابا يلج منه المتفوقون لاستحقاق المناصب والولايات، لأن إعطاءها لغير أهلها  هذا من علامات الساعة، وهذا من المسؤولية العظيمة، وهذا مما يُدخل المسؤول إلى نار جهنم لأنه تقلّد  توظيفَ غير الأهل في غير مكانه.

كانت الولايات تؤخذ باستحقاق أصحابها، يستحقها أهلها بالمناظرات، ففي سنة 1116 للهجرة 1705 للميلاد  توفي العالم أبو عبد الله محمد بن الغماد شيخ المدرسة المرادية وتولى مكانه عالم العصر في ذلك الوقت المفسر #أبو_عبد_الله_زيتونة_المنستيري، كيف تولاها؟ بعد #مناظرة وقعت بينه وبين #الشيخ_الخضراوي بجامع الزيتونة لاستحقاق الولاية #بمحضر_العلماء.  فالذي يريد أن يصل للمناصب بكفاءة وأهلية فعليه بالمناظرات وأمام العلماء.

في مجالس البايات كانت تعقد المناظرات والمحاورات العلمية قصدًا واتّفاقًا مع علي باشا، مع محمد بن حسين، مع علي بن حسين الذي كان يجمع العلماء في المناظرات العلمية في مجلسه. ومن أشهرها شهرة في الكتب والتراجم التونسية؛ #المناظرة التي وقعت بين الشيخ #محمد_الشّحمي التونسي مع شيخ ورد على تونس من خارجها وهو #لطف_الله_الأزميرلي سنة 1175 للهجرة، وفي آخر المناظرة اعترف الشيخ لطف الله بالفضل والعلم للشيخ الشحمي وكان بدينا فوضع يده على بطنه وقال: "امتلأ علمًا لا شحمًا".

هذه المناظرات اتّسعت لها صدور علماء تونس حتى مع المخالفين أمثال الشيخ الأباضي - ونحن نعرف أن المذهب الأباضي موجودا في تونس وخاصة في جربة والجنوب التونسي - الشيخ الأباضي محمد المصعبي المتوفى سنة 1207 للهجرة 1793 للميلاد،  يُذكر أنه اختير من طرف مجلس الشورى لينوب في مناظراته علماء تونس بمحضر الباي. نعم! توسع النظر بين أهل العلم حتى وصل أن المناظرات تقع في مواضيع أقل ما يقال فيها هي مواضيع من الترف الفكري مثل مسألة العقل؛ هل هو جوهر أو عرض؟ والتي دارت فيها المناظرات كتابيًّا وليس شفاهيًّا فقط وعلى مرات بين محمد بن سعيد النجم التونسي والشيخ بن عمار الشريف الجزائري، وألف في الحكم بينهما رسالة قام بتأليفها الشيخ محمد النِّيفر الذي هو باني البيت النيفري في تونس، ولئن كانت هذه المناظرات تقع بين فحول من العلماء، علماء تونس الذين اجتازوا عتبة الإجازة إلا أنه قبل ذلك كان ميرانهم وخبراتهم امتلكوها بين يدي شيوخ مجدِّدين أمثال الشيخ حسن الشريف والشيخ إسماعيل باشا التميمي والشيخ البحري بن عبد الستار والشيخ محمد عبد الملوكة، ممن تجاوزا طريقة الإلقاء والتلقين في الحلقات العلمية.

ومن العجيب أن بعض الذين كانوا يمروا على تونس من الجزائر والمغرب وغيرها من البلدان الذاهبون إلى الحج كانوا يأتون بالمسائل العويصة والصعبة حتى يلقوا بها على علماء تونس تحدِّيا لهم ومحاولة للنيل من تفوقهم فيجدون القرن المماحك ويجدون الذين يكلون العلم جزافا، فلا يأبى الخصم إلا ليطأطئ الرأس اعترافا بالفضل وانصافا لعلماء تونس .... وبتفوقهم في العلم. 

أهم خصلة في علماء تونس مع هذه المناظرات والبيئة العلمية  التي كانت تظهر تفوّق كبار أعلامها، خصلة تتمثل في كونهم #لا_يتولون_المناصب إذا كان #هناك_من_يتواجد_أقوى_منهم. الشيخ سيدي #إبراهيم_الرياحي شيخ الإسلام، من وفائه لشيوخه، ولاّه الباي خطة القضاء فاعتذر له بأنه لا يحق أن يتولّى هذه الخطة، لماذا؟ لأن شيخه أبا الفداء إسماعيل باشا التميمي وأبا العباس أحمد بوخريص أنهما أصلح للخطة، لأنهما قد باشرا التوثيق، والتوثيق هو الأس لفقه القضاء. فألزمه الباي خطة القضاء، فماذا فعل؟ فرَّ من تونس العاصمة بمساعدة الشيخ محمد بن ملوكة إلى مقام سيدي علي عزوز بزغوان، ولم يرجع إلى تونس العاصمة إلا بعد ما ولّى الباي شيخه إسماعيل التميمي. حتى نعلم أن البيئة العلمية التونسية #ليست بيئة رغبة في المناصب #وإنما هي بيئة إخلاص لله سبحانه وتعالى ومضى الأمر على ذلك حتى كان الطاهر ابن عاشور ومحمد العزيز جعيط والخضر حسين ومحمد المكي بن عزوز وطبقة شيوخهم أمثال الشيخ العزيز بنور وغيرهم من هؤلاء القامات. 

______________

[من كلام فضيلة الشيخ الدكتور #زهير_جندوبي في برنامج #فقه_الحياة].


الشيخ الدكتور زهير الجندوبي


تعليقات

التنقل السريع