القائمة الرئيسية

الصفحات

يقصد بالحنابلة من ينسبون إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل آخـر الأئمة الأربعة عند أهل السنة والجماعة وهم: أبو حنيفة، ومالك بن أنس، والشافعي، وأحمد بن حنبل. وهذه الطائفة أكثر ما يميزها التمسك بالمأثور مـن كـتـاب أو سنة، وقـد ثـار جـدل عظيم حول مكانة الإمـام أحـمـد بن حنبل الفقهية وإن كان الكل يشهد له بمكانته كأحد أبرز المحدثين، وقد أنكر ابن جرير الطبـرى كون أحمد بن حنبل فقيها، وعده ابن قتيبة من المحدثين ولم يعده من الفقهاء، وكثيرون قالوا مثل هذه المقالة أو قـريبـا منها، ولكن النظرة الفاحصة لفقه أحمد بن حنبل وما أثر عنه تجعلنا نحكم بأنه كان فقيها غلب عليه الأثر ومنحاه. فقد كان فقهه آثارا، أو محاكاة صحيحة لآثار، أو مقاربة لها، فكان الفقه الأثرى في حقيقته ومنحاه في مظاهره.
وقد عضد هذا الرأي الذي ذهب إلى أنه ليس فقيها أنه كان كثيرا ما ينهى أصحابه عن كتابة فتاويه، ويرى أنه الحديث فقط ولا شيء سواه، لكن على كل فقد استجاز كتابة هذه الفتاوى في أخريات حياته، ومهما يكن فقد توارثت الأجيال ما وصلها من فقه أحمد واهتمت بدراسـتـه وصـار له جمهور كبير يترسمون حطاه.
وأبرز ما يميز الفقه الحنبلي كثرة الأقوال والروايات فيه في المسألة الواحدة وتضاربها. حتى أننا نعجب أشد العجب من هذا، مما آثار غبارا كثيفا حول نسبة الفقه الحنبلي إلى أحمد بن حنبل، لكن يرده أن انصراف أحمـد كان في الأساس للحـديث وأن فـتـاويـه كـانت أقرب بما يكون للرواية منها للتفريع الفقهي، أما كثرة الروايات عنه فـإنه مأثور عن كل الأئمة ويخـتـلفـون فـيـه قلة وكثرة، وقد كان دافعه في هذا الإخلاص في تحـرى الحق لما يعتري الفتوى من ملابسات توجب تغييرها . ولهـذه الكثـرة في الروايات والأقوال في الفقه الحنبلي أسباب منها : تورع أحمد عن الفـتـوى وحرصه على قربها من المأثور مما جعل رأيه يتغير تبعا لكثرة الروايات عنده، وأنه كان أحيانا يترك المسائل على أكثر من قـول تبعا لما أثر عنده من صنيع الصـحـابة وأن أصـحـاب أحـمـد كانوا يأخذون أراءه من فتاويه وأفعاله وأجوبته ورواياته وهو مجال خصب للاستنباط، وقـد وضع الحنابلة ضـوابط للنظر في فقهه . له . فهناك ضوابط عامة وضوابط خاصة لهذا .
أما العامة: فإنها تتجلى في الموازنة بين الأقوال بقوة السند، والترجيح بينها، والتوفيق إن أمكن، أو التـعـرف على الناسخ منهـا والمنسوخ وهكذا .
والخاصة: تتجلى في فهم عبارات أحمد رسانية وتصنيفها حسب مـا تـشـيـر إليـه من أحكـام شـرعيـة وهذا نتج من اسـتـقـرائـهم للنصوص.
وقد كان لأحمد بن حنبل تلامذة نشروا فقـهـه ونقلوه، لكن أبرز هؤلاء هو أبو بكر الخلال؛ إذ قطع الفيافي والقفار في سبيل ذلك من أفواه ومكتوبات أصحاب أحمد بعد تفرقهم، وجمعه في الجامع الكبير قبلع نحو عشرين سفرا أو أكثر، وقد نقل فقه أحـمـد بعـد الخـلال أبو القاسم الخـرقى وغـلام الخـلال، وقد اشتهر من مصنفات الخرقي «مختصره» الذي يعد أشهر كتاب في الفقه الحنبلي وقـد شـرح أكثر من ثلاثمائة شـرح أشهرها «المغنى» لابن قدامة.
وقد كان غلام الخلال ذا عقلية فاحصة متحررة فقد خالف شيخه الخلال في كثير من المسائل الفقهية ولم يتابعه عليها. والفـقـه الحنبلي يرتكز على مـجـمـوعـة أصول، فأصول الاستنباط عند الحنابلة هي: الكتاب، والسنة، والإجماع، وفتاوى الصحابة، والقياس، والاستصحاب، والأخذ بالمصلحة، والذرائع.
وهناك جانب آخر ميز الفقه الحنبلي عن غيره إذ يعـتـبـر أوسع المذاهب الفـقـهـيـة الإسـلامـيـة في نظرية الشـروط المـقـتـرنة بالعـقـود فـالـعـقـد عندهم شريعة المتعاقدين ما دامـا لم يشـرطا فـيـه مـا يخل بالشـريعـة وأحكامها، وقد أجازوا حرية التعاقد وذهبوا إلى أن العبرة فيها وفي إنشاء العقود عدم مصادمة هذه العقود للشريعة الإسلامية. وقد اقترن الحنابلة بمصطلح التشدد عند العوام لتشددهم في أمور الطهارة حتى صار هذا سـمـة مميـزة، والمذهب الحنبلي قليل الأتباع قليل الانتشار لعدة أمـور: منها أنه آخـر المذاهب الأربعة، خـصـومـات علمـاء الحنابلة مع الحكام، وشـدة تـعـصـبـهـم وخصوصا بعد محنة الإمام أحمد، وتشددهم في التمسك بما تقرره الفـروع الفـقـهـيـة والوقوف عند نصوصها فكثرت خصومهم من أرباب المذاهب ومـن : ـايـعـهـم من الحكام وجانبتهم العامة .
وعلى الجانب الكلامي فـإن الحنابلة لهم آراؤهم في عـدد مـن القـضـايا العـقـدية كالإيمان، وحكم مـرتكب الكبـيـرة، والقـدر وأفعال الإنسان، والصـفـات، ورؤية الله يوم القيامة.
فـبـالنـسـبـة للإيمان فـإنهم يرون أنه قـول وعـمـل يزيد وينقص وأن الإسلام وسط بين الإيمان والكفـر، وبالنسبة لمرتكب الكبـيـرة فإنهم يرونه مؤمنا غيـر كـافـر وأمره إلى الله إن شاء عذبه وإن شاء عفا عنه، وفي مسائل القـدر يـفـوضـون تـفـويـضـا مطلقـا لحكم الله تعـالي ويؤمنون بالقضاء والقدر ويسلمـون الأمـور كلها لله تعالى، وبالنسبـة للصـفـات فإنهم يثبتونها كلها لله ولا يبحثون عن كنهها ولا عن حقيقتها ويعتبرون التأويل خروجا عن السنة إن لم يكن مـسـتـمـدا منها، ويؤمنون بالرؤية، إيمانا كـامـلا ولكنهم لا يجـرون وراء تحديد كنه هذه الرؤية.(١) والله أعلم.
أ . د / على جمعة محمد عضو هيئة كبار العلماء


علي جمعة


تعليقات

التنقل السريع