القائمة الرئيسية

الصفحات

 قال ابن عاشور: المعوّل عليه من أقوال علمائنا أنّ النّهي عن الخمر وقع مدرجا ثلاث مرّات: الأولى حين نزلت آية يسئلونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما [البقرة: 219]، وذلك يتضمن نهيا غير جازم، فترك شرب الخمر ناس كانوا أشدّ تقوى. فقال عمر: اللّهم بيّن لنا في الخمر بياناً شافياً.

    ثمّ نزلت آية سورة النّساء [43]: يا أيّها الّذين آمنوا لا تقربوا الصّلاة وأنتم سكارى حتّى تعلموا ما تقولون، فتجنّب المسلمون شربها في الأوقات الّتي يظنّ بقاء السكر منها إلى وقت الصّلاة فقال عمر: اللّهم بيّن لنا في الخمر بياناً شافياً.
    ثمّ نزلت الآية هذه: يا أيّها الّذين آمنوا إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشّيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون (90) إنّما يريد الشّيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصّلاة فهل أنتم منتهون (91). [المائدة: 90/91]، فقال عمر: انتهينا.

    فلا جرم كان هذا التحريم بمحلّ العناية من الشّارع متقدّماً للأمّة في إيضاح أسبابه رفقاً بهم واستئناساً لأنفسهم، فابتدأهم بآية سورة البقرة، ولم يسفههم فيما كانوا يتعاطون من ذلك، بل أنبأهم بعذرهم في قوله: قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما [البقرة: 219] ، ثمّ بآية سورة النّساء، ثمّ التحريم بآية سورة المائدة فحصر أمرهما في أنّهما رجس من عمل الشّيطان ورجا لهم الفلاح في اجتنابهما بقوله: لعلكم تفلحون، وأثار ما في الطباع من بغض الشّيطان بقوله: إنّما يريد الشّيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء. ثم قال فهل أنتم منتهون، فجاء بالاستفهام لتمثيل حال المخاطبين بحال من بيّن له المتكلم حقيقة شيء ثمّ اختبر مقدار تأثير ذلك البيان في نفسه.

التحرير والتنوير: 7/21

محمد الطاهر ابن عاشور


تعليقات

التنقل السريع