القائمة الرئيسية

الصفحات

هل الفتوى بسقوط قضاء الصلوات المتروكة عمداً صحيحة ؟

 السؤال: هل الفتوى بسقوط قضاء الصلوات المتروكة عمداً صحيحة؟

الجواب: أنّ الصلاة أعظم المفروضات من فروع الدّين، وقد نوّه الله تعالى بها في كتابه، وحثّ على أدائها وحذّر من إضاعتها فمن ذلك قوله تعالى: ﴿فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ (4) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ﴾ [الماعون: 4-5]، ومن عناية الشرع بها أن جعل حكم وجوبها ثابت في ذمّة المكلّف حتّى يفعلها سواء كان فعله إيّاها أداء، وهو إيقاعها في وقتها أم كان قضاء وهو إيقاعها بعد خروج وقتها.
فقد أجمع علماء الإسلام على أنّ من نسي صلاة أو نام عنها يصليها متى ذكرها، كما تبيّن ذلك الآثار الصحيحة الكثيرة المرويّة في الموطّآت والصحيحين.


وأجمعوا أيضاً على أن من ترك صلاة واحدة أو صلاتين حتّى خرج وقتها أنّه يجب عليه قضاؤها ولو بعد خروج وقتها. واستدلّ لهذا شهاب الدّين القرافي في الذخيرة: «بأنّ قضاء الصلاة المتروكة عمداً أولى وأحرى بالوجوب من قضاء الصلاة المنسيّة أو التّي نام عنها المصلّي، وأنّه لا مفهوم لوصف النّائم والساهي الواقع في الآثار المرويّة؛ لأنّ مفهوم المخالفة إذا عارضه مفهوم الموافقة يقدّم مفهوم الموافقة عليه».

وأمّا من ترك الصّلاة عمداً حتّى تجمّعت عليه صلوات كثيرة فإنّ مالكاً رحمه الله وجمهور العلماء وهم الذّين لا يرون ترك الصلاة عمداً موجباً للكفر قالوا: يجب عليه قضاء ما فاته من الصّلوات المفروضة بالاتّفاق، وفي غيرهAا من الروايات خلاف.


ودليلهم في ذلك أنّ الصلوات الكثيرة أولى وأحرى بوجوب القضاء من الصلوات القليلة المتروكة عمداً، لئلاّ تصير شدّة المعصية مفضية إلى تخفيف أمرها، وذلك من فساد الوضع لا ينبني عليه اجتهاد صحيح.
وأمّا الّذين يرون أنّ ترك الصّلاة كفر مثل أحمد بن حنبل وإسحاق بن راهويه ومن المالكيّة عبد الملك بن حبيب فيقولون: «أنّ توبة تارك الصلاة من تركها، رجوع إلى الإسلام بالإقلاع عمّا خرج به منها وفي رأيهم يسقط عنه قضاء ما أضاعه في مدّة كفره؛ لأنّ الإسلام يجبّ ما قبله».
وهذا القول شاذّ في أصول الدّين ومخالف لعقيدة جمهور أهل السنّة ولقول أبي حسن الأشعري: الذّي نقلّده، وهو أيضاً مخالف لما قرّر في عصر السّلف الصالح من عهده رسول الله ﷺ من كون كلمة الشهادة هي علامة الإيمان والإسلام. وهي الّتي كان يدعو رسول الله إليها ثمّ يدعو إلى شرائع الإسلام، ولأنّ هذا القول راجع إلى القول بالتكفير ببعض الذّنوب.


فالّذي ذكر السائل أنّه أفتى النّاس بسقوط قضاء الفوائت المتروكة عمداّ قد أخطأ خطأً بيّناً؛ لأنّه أفتى بقول باطل عند جمهور علماء الإسلام، لابتنائه على رأي باطل في أصول الدّين وهو التكفير ببعض الذنوب، ولأنّه أفتى النّاس بغير مذهبهم. والمقلّد لا يجوز له الخروج عن مذهبه إلاّ لضرورة.


ثمّ إنّ قضاء الفوائت المفروضة فقط واجب عند مالك رحمه الله على الفور فالمالكي يجب عليه إذا فاتته صلوات مفروضة كثيرة أن يقضيها في كلّ وقت في غير أوقات الصّلوات المفروضة والفجر والوتر، وفي غير أوقات اكتسابه وقضاء شؤونه ونومه وطعامه وراحلته الضروريّة، فيصلّي من الفوائت بمقدار ما فاته بأن يحصي المدّة الّتي فاتته إلى وقت رجوعه إلى أداء الصلاة، ويقضي بمقدارها مع الترتيب وهو هيّن، فإنّ مجموع صلوات يوم كامل بدون الفجر ودون الشفع والوتر لا يستغرق أكثر من خمس عشرة دقيقة إذا قرأ بالسور القصيرة، فيستطيع المرء أن يقضي صلاة أربعة أيام في كلّ يوم، ولا يأخذ له ذلك أكثر من ساعة في اليوم، وإذا كانت له سعة من الوقت زاد بمقدارها فلا يمضي عليه زمان طويل إلاّ وقد قضى فوائته وكلّ ميسّر لما خلق.
محمّد الطاهر ابن عاشور
الفتاوى التونسيّة 1/457


السؤال: هل الفتوى بسقوط قضاء الصلوات المتروكة عمداً صحيحة؟


x

تعليقات

التنقل السريع