القائمة الرئيسية

الصفحات

 


"لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه اللَّه ويبتليك"

عالمان من كبار علماء الزيتونة تولى كل واحد منهما وزارة الدولة.
الشّيخ عبد الرّحمن البقلوطي وزير علي باشا بن محمد الذي ثار على عمه باني الدولة الحسينية وشرد أبناءه ومريديه، ثم انقلب عليه ولده يونس فوقع في شر فعله..
والشّيخ حمّودة بن عبد العزيز وزير الدولة ومستشارها بعد عودة الحكم إلى أولاد حسين بن علي .


القصة حكاها شيخ الإسلام إسماعيل التّميميّ قال: "إنّه كان يجلس عندي (أي الشّيخ حمّودة بن عبد العزيز) بدكّان الشّهادة في سوق البلاط لقربه من داره، فمرّ الشّيخ عبد الرّحمن البقلوطي أيّام اختلال عقله؛ بقتل مخدومه الباشا عليّ بن محمّد وهو ينظر إليه وبذهاب ماله، فجلس أمام الدّكّان على قارعة الطّريق يلتقم بطيخا مكسّرا، فقال له: "قبّح الله رجلا اصطفاك لخدمته" فقال له البقلوطي: "رأيتني والأمر مدبر عنّي، ولو رأيتني والأمر مقبل، كحالك الآن، لعظّمت من حالي ما حقّرت، واستحسنت منّي ما قبّحت، وسبحان من لا يحول"، واختنق بالبكاء، وانصرف" الإتحاف: 7/24.
خطاب شماتة مخالف لكل معايير وقيم الإسلام ، لكن سكرة الحكم تذهب بالعقول.
كلام الشيخ البقلوطي لا يصدر عن عقل مختلّ وإن كان ما وقع له يؤدّي إلى أكثر من الجنون فقد ذهب ماله وخُنِق سيّده الباي عليّ باشا الأوّل وهو مقرون معه ينظر إليه. ولعله تستر بالجنون حتى ينجو من سطوة انتقام رجال الدولة.
"لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه اللَّه ويبتليك"
الحديث أخرجه الترمذي من طريق مكحول عن واثلة بن الأسقع، وقال: "حديث حسن غريب، ومكحول قد سمع من واثلة". وأخرج له شاهدًا يؤدي معناه من طريق ثور بن يزيد عن خالد بن معدان عن واثلة قال: قال رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: "من عيَّر أخاه بذنب لم يمت حتى يعمله". وقال أيضًا: "حسن غريب". هكذا وصف كلًا من الحديثين بالحسن والغرابة، فأما الغرابة فلتفرد بعض رواة كل منهما عن شيخه، فهي غرابة نسبية، وأما الحُسْن فلاعتضاد كل حديث منهما بالآخر. .
خطاب الشماتة فاحت رائحته بمجرد ذهاب الخلافة بقيمها النبوية وحلول الملك العضوض الذي أحيى العصبية والحمية القبلية بين المسلمين. وكمُّ المرويات الذي حفظته بعض مؤلفات السلف كتعبيرات للدهاء والذكاء أو الأجوبة المسكتة المبكتة، ما هو في الحقيقة إلا تكيّف مع حس الشماتة الذي ساد الواقع اليومي..
دخل عقيل بن أبي طالب، وهو ضرير، على معاوية بن أبي سفيان زمن حكمه، فأجلسه معه على سريره ثم قال له: أنتم معشر بني هاشم تصابون في أبصاركم. فرد عليه عقيل: وأنتم معشر بني أمية تصابون في بصائركم.
تفشى خطاب الشماتة وانتشر ليصبح مَظْهرا لكل التقلبات السياسية، مُظْهِرا للعيان انفصام العرى الاجتماعية لأمة " إِنَّمَا ٱلْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ ".
ولا نرى الشماتة تقف عند حدود اللمز اللفظي، والعبارات التي ظاهرها الرحمة وباطنها النقمة، وإنما تطورت إلى صيغ شائنة من هتك للأعراض وتحريض على الاستئصال والإبادة.
وإطلالة على الشبكة العنكبوتية تضعك أمام أسوأ مظاهر التشفّي ، حتى نوشك أن ننعى منظومة القيم التي أودعها النبي صلى الله عليه وسلم خيرَ أمة أخرجت للناس.
أظهر الشّيخ حمّودة بن عبد العزيز الشماتة في زميله الشيخ عبد الرحمن البقلوطي، ونسي ما ينسج له القدر من ابتلاء ؛ كان مارا من سوق الحدادين فضربه أحدهم ببارودة أخطأت مقتله وألقي القبض على القاتل ، وتحت سطوة الغضب حكم عليه دون مقاضاة بكسر قوائمه، فانهال عليه بسطاء الرعاع من سفهاء الحدادين فنفذوا الحكم مباشرة.
وبعد أن كان شيخا للدولة سقطت هيبته من أعين الناس بايا وحاشية ورعية وتجرع مرّ كأسه حتى وافاه حمام أجله..
"لا تظهر الشماتة لأخيك فيرحمه اللَّه ويبتليك"
قوانين الله لا تحابي أحدا شريفا كان أو عالما، أما حيث لا شرف ولا علم ولا دين،
فلنترحم على شوقي الذي أنار الطريق بشعره فقال:
برز الثعلبُ يوماً في شعار الواعِظينا
فمشى في الأرضِ يهدي ويسبُّ الماكرينا
ويقولُ : الحمدُ للــــهِ إلــــه العالميـــــنا
يا عِباد الله، تُوبُوا فهو كهفُ التائبينا
وازهَدُوا في الطَّير، إنّ الــعيشَ عيشُ الزاهدينا
واطلبوا الدِّيك يؤذنْ لصلاةِ الصُّبحِ فينا
فأَتى الديكَ رسولٌ من إمام الناسكينا
عَرَضَ الأَمْرَ عليه وهْوَ يرجو أَن يَلينا
فأجاب الديك : عذراً يا أضلَّ المهتدينا
بلِّغ الثعلبَ عنّي عن جدودي الصّالحينا
عن ذوي التِّيجان ممّن دَخل البَطْنَ اللعِينا
أَنهم قالوا وخيرُ الـــــــقولِ قولُ العارفينا
" مخطيٌّ من ظنّ يوماً أَنّ للثعلبِ دِينا»





تعليقات

التنقل السريع