كَيْفَ يُشْرِقُ قَلْبٌ صُوَرُ الأَكْوَانِ مُنْطَبِعَةٌ فِى مِرْآَتِهِ ؟ أَمْ كَيْفَ يَرْحَلُ إِلَى اللهِ وَهُوَ مُكَبَّلٌ بِشَهَوَاتِهِ ؟ أَمْ كَيْفَ يَطْمَعُ أَنْ يَدْخُلَ حَضْرَةَ اللهِ وَهُوَ لَمْ يَتَطَهَّرْ مِنْ جَنَابَةِ غَفَلاَتِهِ ؟ أَمْ كَيْفَ يَرْجُو أَنْ يَفْهَمَ دَقَائِقَ الأَسْرَارِ وَهُوَ لَمْ يَتُبْ مِنْ هَفَوَاتِهِ؟
الحضرة : هى
حضور القلب مع الرب و هى على ثلاثة أقسام :
حضرة القلوب ، و حضرة الأرواح ، و حضرة
الأسرار
فحضرة القلوب للسائرين
و حضرة الأرواح للمستشرفين
و حضرة الأسرار للمتمكنين
أو تقول حضرة القلوب لأهل المراقبة و حضرة
الأرواح لأهل المشاهدة و حضرة الأسرار لأهل المكالمة و سر ذلك ان الروح مادامت
تتقلب بين الغفلة و الحضرة كانت فى حضرة القلوب فإذا استراحت بالوصال سميت روحا و
كانت فى حضرة الأرواح ، و إذا تمكنت و تصفت و صارت سرا من أسرار الله سميت سرا و
كانت فى حضرة الأسرارفالحضرة مقدسة منزهة مرفعة لا يدخلها إلا المطهرون ، فحرام
على القلب الجنب أن يدخل مسجد الحضرة و جنابة القلب غفلته عن ربه.
قال تعالى
:" يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا
الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلَا جُنُبًا
إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّىٰ تَغْتَسِلُوا "اي
لا تقربوا صلاة الحضرة و أنتم سكارى بحب الدنيا و شهود السوى و حتى تتيقظوا و
تتدبروا ما تقولون فى حضرة الملك ، و لا جنبا من جماع الغفلة و شهود السوى حتى
تتطهروا بماء الغيب الذى أشار إليه الحاتمى رضى الله عنه كما فى الطبقات الشعرانية
فى ترجمة المواهب بقوله :
توضأ بماء الغيب إن كنت ذا سر وإلا تيمم
بالصعيد أو الصخر
يعنى تطهر من شهود نفسك بماء الغيبة عنها
بشهود ربك أو تطهر من شهود الحس بشهود المعنى ، أو تطهر من شهود عالم الشهادة بماء
شهود عالم الغيب ، او تطهر من شهود السوى بماء العلم بالله فإنه يغيب عنك كل ما
سواه ، و إذا تطهرت من شهود السوى تطهرت من العيوب كلها و إن لم تقدر على الطهارة
الحقيقية التي هي الطهارة الباطنية فانتقل للطهارة المجازية التي هي الطهارة
الظاهرية و إن لم تقدر على طهارة المقربين فانتقل لطهارة أهل اليمين و إن لم تقدر
على طهارة أهل المحبة فانتقل لطهارة أهل الخدمة قوما أقامهم الله لخدمته، و قوم
اختصهم لمحبته: كُلا
نُمِدُّ هَؤُلاءِ وَهَؤُلاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ
مَحْظُورًا .
فطهارة أهل المحبة الفكرة والنظرة و طهارة
أهل الخدمة بالمجاهدة و المكابدة بين عبادة ظاهرة كصلاة وصيام و ذكر و تلاوة و
تعليم و غير ذلك و بين عبادة خفية كخوف ورجاء و زهد و صبر وورع و رضي و تسليم و
رحمة و شفقة و غير ذلك مما لا يظهر للعيان ، و هذا هو تصوف أهل الظاهر ، و أما
تصوف أهل الباطن: فهو الغيب عن الأكوان بشهود المكون أو الغيبة عن الخلق بشهود
الملك الحق وإذا رحل القلب من وطن شهوته و تطهر من لوث غفلاته وصل إلى حضرة ربه و
تنعم بشهود قربه.
تعليقات
إرسال تعليق