الْكَوْنُ كُلُّهُ ظُلْمَةٌ ،
وَإِنَّمَا أَنَارَهُ ظُهُورُ الْحَقِّ فِيهِ ، فَمَنْ رَأَى الْكَوْنَ وَلَمْ
يَشْهَدْهُ فِيهِ أَوْ عِنْدَهُ أَوْ قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ فَقَدْ أَعْوَزَهُ
وُجُودُ الأَنْوَارِ ، وَحُجِبَتْ عَنْهُ شُمُوسُ الْمَعَارِفِ بِسُحُبِ الآَثَارِ .
يقول ابن عباد :
العدم ظلمة ، والوجود نور ،
فالكون بالنظر إلى ذاته عدم مظلم ، وباعتبار تجلي نور الحق عليه ، وظهوره فيه ،
وجود مستنير ، ثم اختلفت أحوال الناس ههنا ، فمنهم من لم يشاهد إلاّ الأكوان ،
وحجب بذلك عن رؤية المكوِّن ، فهذا تائه في الظلمات محجوب بسحب آثار
الكائنات ، ومنهم من لم يحجب بالأكوان عن المكون ، ثم هم في مشاهداتهم إياه فرق :
فمنهم من شاهد المكون قبل الأكوان ،
وهؤلاء هم الذين يستدلون بالمؤثر على الآثار ، ومنهم من شاهده بعد الأكوان
، وهؤلاء هم الذين يستدلون بالآثار على
المؤثر ، ومنهم من شاهد مع الأكوان ، والمعية ههنا ، إما معية اتصال ،
وهو شهوده في الأكوان ، وإما معية انفصال ، وهو شهوده عند الأكوان . وهذه الظروف المذكورة ليست بزمانية ولا
مكانية ، لأن الزمان والمكان من جملة الأكوان ، والاتصال والانفصال
المذكوران ليسا على ما يفهم من معانيها ، فإنها أيضا من جملة الأكوان ،
ومعرفة تفصيل هذه الأمور ، والتفرقة بين هذه الحقائق على ما هي عليه موكول إلى
أربابه ، فلنقتصر على ما ذكرناه ، فههنا زلت أقدام كثير من الناس ، فتكلموا بكلمات
موهمة ، وعبروا بعبارات منكرة في الشرع ، فكفروا بذلك ، وبدعوا ، فاعتقد كمال
التنزيه ، وبطلان التشبيه . وتمسك بقوله عز وجل :
(لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) سبحانه لا إله غيره .
غيث المواهب العلية في شرح
الحكم العطائية
تعليقات
إرسال تعليق