القائمة الرئيسية

الصفحات

قضاء رمضان واجب على من أفطر فيه

هل يجوز تقليد ما روي عن ابن عمر وابن عباس رضي الله عنهما

بأنّ الحامل والمرضع لا يقضيان ما أفطرتاه من رمضان بسبب الحمل والرّضاع؟

قضاء رمضان واجب على من أفطر فيه بسبب الحمل أو الرّضاع، وذلك للنّصّ القرآنيّ الصّريح، في قول الله عزّ وجلّ: (ومن كان مريضا أو على سفر فعدّة من أيّام أخر يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر)[البقرة: 185]. والآية عامّة في كلّ من أفطر بسبب المرض، والحامل والمرضع ما أفطرتا إلاّ لدخولهما تحت مسمّى المرض، خوفا من حصوله على النّفس أو على الجنين والرضيع.

وقد استقرّ الإجماع في عصر أئمّة المذاهب الفقهية الأربعة على وجوب القضاء عليهما إن أفطرتا. وأمّا ما روي قبلهم من آثار لعبد الله بن عمر وعبد الله بن عبّاس بعدم القضاء، فلا يجوز تقليد ذلك ولا الفتوى به؛ لأنّ الرّواية عنهما في المسألة مضطربة.

ومن الاضطراب في الرواية عن ابن عبّاس، رواية عكرمة عنه أنّ آية : (وعلى الذّين يطيقونه فدية طعام مسكين)[البقرة: 184]، منسوخة[1] . ورواية سعيد بن جبير عنه بمثل ذلك[2] .

ويؤيّد القولُ بالنّسخ، روايةَ عطاء عنه بوجوب القضاء وسقوط الإطعام[3] .

وروي عنه أيضا أنّها غير منسوخة، فيما رواه عطاء عنه[4] .

وفي القول بعدم النّسخ، اضطربت الرواية عنه على قولين:

الأوّل: أنّها خاصّة بالشيخ الكبير والمرأة الكبيرة، كما في رواية عطاء عنه[5] ، وفي رواية له عنه[6] .

الثاني: أنّها عامّة في الكبير والحامل والمرضع، كما في روايتي عكرمة[7] وسعيد بن جبير[8] عنه.

ووجه آخر من الاضطراب أنّه ذُكر في رواية الإطعام وعدم القضاء، وفي أخرى لم يذكر فيها إلاّ الإفطار والإطعام وسكت عن القضاء وعدمه، كما هو واضح من الروايات المتقدّمة، بناء على القول بعدم النّسخ.

أمّا ابن عمر، فالاضطراب في روايته واقع من حيث القول بالنّسخ وما يقتضيه من القضاء، والقول بعدم النّسخ وعدم القضاء، فقد علّق البخاري عنه أنّه قرأ: (فدية طعام مساكين) قال: "هي منسوخة"[9] . وعن نافع عنه بذلك أيضا[10] . وروى عبد الله بن عمرو بن عثمان عنه وجوب القضاء[11] .

وهذا يتعارض مع ما روي عنه القول بعدم القضاء[12] .

وهذا الاضطراب يسقط الرّواية عنهما في المسألة. ويجب عندئذ الرّجوع إلى أئمّة المذاهب الأربعة، وإلى منهجهم الدّقيق المعروف في الاستنباط ونقد روايات السابقين سندا ومتنا؛ إذ لو كان لسقوط القضاء عن الحامل والمرضع وَجْهٌ قويّ عندهم، من دلالة آية أو حديث بأيّ وجه من وجوه الدّلالة، أو نقل ثابت عن صحابيّ، لقال به بعضهم أو أحد تلامذتهم، ولوجدنا الآثار في ذلك موثّقة في كتب السّنّة المعتبرة: موطّأ مالك، وصحيحي البخاري، ومسلم، وسنن أبي داود، والترمذي، والنسائي؛ إذ لم يرووا عنهما سقوط القضاء عن المرضع والحامل، ممّا يدلّ على أن ليس لذلك أصل قوي يستند إليه. واضطراب متن الرواية موجب لضعفها ولو صحّت الأسانيد.

ولذلك فليس بمثل هذه الروايات المضطربة عن ابن عمر وابن عباس، تترك آية واضحة وصريحة بوجوب القضاء، وينقض إجماع الأمّة في عهد الفقهاء الأربعة. والله أعلم


الحبيب بن طاهر

30 أفريل 2020 الموافق لـ 8 رمضان 1441


------------------------

[1]أبو داود في الصوم، باب نسخ قوله تعالى: (وعلى الذين يطيقونه فدية).

[2]أخرجه الطبري: 3/425، والبيهقي: 4/388 رقم 8077.

[3]أخرجه عبد الرزاق: 4/52.

[4]أخرجه البخاري في التفسير، باب قوله تعالى: (أياما معدودات...)، ومسلم في الصيام، باب بيان نسخ قوله تعالى: (وعلى الذين يطيقونه فدية) بقوله: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه).

[5]أخرجه البخاري في التفسير، باب قوله تعالى: (أياما معدودات...)، ومسلم في الصيام، باب بيان نسخ قوله تعالى: (وعلى الذين يطيقونه فدية) بقوله: (فمن شهد منكم الشهر فليصمه).

[6]أخرجه النسائي في الصيام، باب تأويل قول الله عز وجل: (وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين)[البقرة: 184]، والدارقطني في الصيام، باب طلوع الشمس بعد الإفطار.

[7]أخرجه أبو داود في الصوم، باب من قال: هي مثبتة للشيخ والحبلى.

[8]أخرجه الدارقطني في الصيام، باب طلوع الشمس بعد الإفطار.

[9]أخرجه البخاري معلقا في الصيام، باب قوله تعالى: (وعلى الذين يطيقونه فدية).

[10]أخرجه مالك في الصيام، باب فدية من أفطر في رمضان من علّة، والبيهقي: 4/389 رقم: 8079، وأخرجه البخاري معلقا، في الصيام، باب قوله تعالى: (وعلى الذين يطيقونه فدية)، وهو موصول عند الطبري: 3/420 ـ 422.

[11]ذكره البيهقي: 4/389 في السنن الكبرى، وقال: ذكره أبو عبيد بسنده في كتاب الناسخ والمنسوخ.

[12]أخرجه عبد الرزاق: 4/52، والدارقطني في الصيام، باب طلوع الشمس بعد الإفطار.

Image may contain: 1 person


تعليقات

التنقل السريع