القائمة الرئيسية

الصفحات

المؤتمر الإسلامي بالقدس ودور الشيخ الثعالبي في انعقاده:

انعقد المؤتمر الإسلامي ببيت المقدس ليلة الإسراء والمعراج في 27 رجب 1350هـ الموافق لـ7 ديسمبر 1931م ودُعي إليه كبار العالم الإسلامي وأعيانه من جميع الأقطار، لينظر في شؤون المسلمين عامة، وللدفاع عن إسلامية بيت المقدس وعروبته مع تزايد التهديدات الصـهيو نـية لفلسطين والقدس. وقد عمل البريطانيون على منع انعقاد المؤتمر وشنّوا حملة صحفية شرسة على منظميه وبرزت أقلام صـهيو نـية جاهرت بمعاداة المؤتمر ونادت بإفشال انعقاده.

ورغم ذلك نجح المنظّمون في عقد المؤتمر في موعده في القدس وهم: الحاج أمين الحسيني، من فلسطين، والشيخ عبد العزيز الثعالبي، من تونس، وشوكت علي، من الهند. ونجح هؤلاء في جمع مئة وخمس وأربعين شخصية إسلامية من اثنين وعشرين بلدا. ومن أبرز الشخصيات التي حضرت المؤتمر الشيخ رشيد رضا، عن مجلة المنار، ومحمد الحسين آل كاشف الغطاء، الذي أمّ المسلمين في الصّلاة في المسجد الأقصى، وشاعر الهند الفيلسوف محمد إقبال، وعبد الرحمان عزام، ورجل الدولة رياض الصلح عن لبنان، وضياء الدين الطباطبائي رئيس الوزراء السابق عن إيران (والذي سيكون أمين السر العام للمؤتمر)، وعبد القهار أفندي عن أندونيسيا، وغيرهم كثيرون.
إنّ وجود مثل هذا الحشد من الشخصيات الفاعلة في العالم الإسلامي، ببيت المقدس، جعل المؤتمر يتحول عن برنامجه المتعلق بالقدس وفلسطين، إلى تناول مواضيع تخص الحالة العامة للعالم الإسلامي في مختلف البقاع، وهذا ما انعكس على مداولات المؤتمرين وقراراتهم.
لقد عرف المؤتمرون برنامج المؤتمر قبيل انعقاده. وكان الثعالبي قد بين أهداف المؤتمر وبرنامجه في رسالة وجهها من القدس يوم 17 ديسمبر 1931م إلى صديقه، المحامي والصحفي المصري، محمد لطفي جمعة. يقول الشيخ الثعالبي في مراسلته:" أمّا مدار أبحاث المؤتمر فسيكون حول نقاط ثلاث:
1- البراق، وهو الجدار الغربي للمسجد الأقصى الذي اتخذه اليــهود مبكى لهم وحاولوا أن يتخذوه في عهد الانتداب الانجليزي معبدا أو كنيسا يقيمون فيه شعائرهم وطقوسهم القومية، وقصدهم أن يتذرعوا بهذه الوسائل إلى امتلاك هيكل سليمان وتحويل مسجد الصخرة إلى مذبح يهــودي، ومن وراء ذلك إقصاء المسلمين والعرب بالتدريج عن أرض الميعاد، وإحلال اليهــود فيها محلهم.
2- اتخاذ التدابير الفعالة لإقرار رسالة المسلمين في فلسطين إلى الأبد.
3- جعل فلسطين مركزا لإنشاء ثقافة إسلامية جديدة تنير بصائر العالم بالهداية والعلم. وفوق ذلك، النظر في توزيع تكاليف هذه المشاريع على الأقطار الإسلامية وتكوين رأس مال يقوم بسد حاجياتهم في المستقبل التي فيها إحداث جامعة إسلامية في فلسطين لتخريج أبطال وقادة فكر النهضة الإسلامية في العالم" .
وانطلق المؤتمر وكان الثعالبي في أعماله، كما وصفه حامد المليجي محرّر جريدة البلاغ: "خطيبا متحمسا، فاستعرض التاريخ منذ ظهور الإسلام وتلألؤ قوته إلى الحالة التي وصل إليها أهله اليوم، ثم ناشد المجتمعين أن يعملوا باسترجاع المكانة التي كانت لأمتهم."
وخاض المؤتمر في عدة مسائل منها: النظر في الطرق الجديرة بالاتحاد لاستبقاء فلسطين بلادا عربية إسلامية. وكانت الأماكن المشرّفة ومنها خاصة البراق الشريف وحائط البراق [الذي يسميه اليهود حائط المبكى]، وهو مسرى النبي محمد ومعراجه صلى االله عليه وسلم، من أعظم مواضيع المؤتمر أهمية، لعلاقته بالأماكن المقدسة الإسلامية في فلسطين المعرضة لخطر المطامع الصهيونية والاستعمارية. وقد استنكر المؤتمرون قرار لجنة البراق الدولية، السماح لليــهود بأداء الطقوس أمام الحائط في الأعياد اليهودية، مؤكدين الاستمرار في الاحتجاجات ضد الهجرة الصــهيو نية، وضدّ السماح ببيع الأراضي لليهود مع احتفاظ فلسطين بحق تقرير مصيرها بنفسها. وكوّن المؤتمرون من أجل ذلك لجنة البراق الدولية، لمواجهة الأطماع الصـهيو نية في فلسطين "تاج السلطنة العربية العظيمة". وما هي إلا أمانة المسلمين جميعا موضوعة في أعناق الفلسطينيين" كما جاء في قول الثعالبي في كتابه الذي كتبه عن المؤتمر.
وانتخب الثعالبي عضوا في المكتب الدائم عن اللجنة التنفيذية للمؤتمر، وقد أثنى عليه مفتي فلسطين أمين الحسيني لـ " فضله الأكبر في إنجاح المؤتمر الإسلامي الأول بالقدس" في رسالة وجهها إليه في 20 جانفي 1932.
وقد انتهى المؤتمر إلى مقررات أهمها المحافظة على البقاع المقدسة بشتى الوسائل، والتصدي لكل مؤتمرات الصـها ينة لتهـويد القدس، وانتخاب لجنة خاصة تطوف على جميع الملوك والأمراء والأثرياء المسلمين لجمع التبرعات على أن يسمّى الذين يتبرعون بمبالغ وافية: "حماة المسجد الأقصى"، وتنقش أسماؤهم في لوحات تعلق في المسجد.
وتقرر كذلك، إنشاء جامعة إسلامية عليا في القدس تفي بحاجة المسلمين في دينهم ودنياهم، وتسمى جامعة المسجد الأقصى الإسلامية، وقد وصلت تبرعات عديدة إلى الحاج أمين الحسيني، بهدف إنشاء الجامعة المذكورة، إلا أن سلطات الاحتلال البريطاني عطّلت المشروع، وضغطت على العديد من قادة الدول الإسلامية، لوقف دعم المشروع.
لقي المؤتمر معارضة من الصـها ينة الذين أخذوا يؤثرون في شؤون المنطقة بعدما تزايدت أعدادهم بفلسطين بسبب الهجرة. وما إن سمع الصـها ينة باقتراب موعد المؤتمر حتى بدأوا يسعون لإفساد عقده بأي وسيلة.
وبذل الشيخ عبد العزيز الثعالبي، قبل المؤتمر، جهودا واسعة لتبديد الشكوك التي نشرها الصـها ينة.
إنّ مسألة الدفاع عن فلسطين لازمت الشيخ الثعالبي إلى آخر حياته. وفي مقابلة له مع عدد من الطلبة الزيتونيين قبيل أيام من وفاته عبّر للحاضرين عن مشاغله، وأهمها المستعمر الفرنسي وأخطاره، واعتبر أن تصرفات الاستعمار تمثل انتقاما من المسلمين لما حصل لهم من خيبات في الحروب الصليبية. وقد كان في حالة تعب وإجهاد كبيرين، كما كان شديد التأثر، ومما قاله: " إني أبكي لأن قواي قد خارت ولأني مستاء شديد الاستياء من موقف الفرنسيين تجاه الأمة التونسية. ولو كنت في صحة جيدة كالعادة لبذلت أقصى جهودي لمقاومة المستعمر الفرنسي لأنه لا يعرف أحد مثلي حق المعرفة ما يخالج الفرنسيين من أفكار خبيثة للغاية. فهم ما زالوا ينتقمون من الأحداث التي جرت بفلسطين خلال الحروب الصليبية ويريدون الأخذ بالثأر لوفاة الملك لويس التاسع بتونس. والجدير بالملاحظة في هذا الشأن أن نابليون لم يفعل غير ذلك عندما وضع الحلق في جامع الأزهر لربط خيول جنوده".

تعليقات

التنقل السريع